دأبت ماليزيا على دعم القضية الفلسطينية فكانت أبرز ملفات تحركها الدولي منذ الاستقلال، وباتت جزءًا من هويتها. وفور تأجج الوضع في القدس وغزة تحديدًا بادرت ماليزيا حكومة وشعبًا بالإعراب عن رفضها للعدوان الإسرائيلي، مجددة موقفها التاريخي الثابت من القضية ونصرتها على الصعيدين الدولي والإقليمي كذلك. ويتمثل موقف كوالالمبور في مطالبة المجتمع الدولي بتطبيق “حل الدولتين” من أجل إقامة دولة فلسطين المستقلة على أساس حدود ما قبل عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وقد اتخذت خطوات أبرزها قرار فتح سفارة لها لدى فلسطين على الأراضي الأردنية نهاية 2019.
دعم على كافة المستويات
القضية الفلسطينية في أعين الماليزيين هي جزء أصيل من الثقافة الماليزية بل ويعتبرها البعض جزء من هوية الملايو بدافع وحدة الأمة الإسلامية التي نشأ عليها مسلمو ماليزيا. كما أن الاهتمام بنصرة الفلسطينيين تجاوز إظهار التعاطف بعد اقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ومحاولات تهجير سكان حي الشيخ جراح لصالح المستوطنين اليهود. اتخذت ماليزيا خطوات ملموسة في دعمها للقضية وكان أحد أقوى هذه التحركات في نهاية عام 2019، بقرار فتح سفارة لفلسطين في الأردن، والذي كان موضع إشادة من الجانب الفلسطيني باعتبار ماليزيا ذات رؤية شجاعة لم تتأثر بتهديدات بعض القوى العالمية، إضافة إلى إرسال المعونات باستمرار وبشكل منسق حكوميًا مع المنظمات غير الحكومية، واحتضان مكاتب سياسية وثقافية للحركات الفلسطينية وتسمية شارع في قلب العاصمة كوالالمبور يحمل اسم فلسطين. لكن الملاحظ هذه المرة هو محاولة الحكومة حشد الجهود الدولية من خلال مبادرة جمعت دول الجوار الإسلامية -إندونيسيا وبروناي دار السلام- لإصدار بيان مشترك أدانوا فيه العنف الإسرائيلي وطالبوا المجتمع الدولي بمعالجة التطورات الخطيرة والخروج بقرار لإحلال السلام ووضع حد للأعمال الوحشية التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني. كما خرج رئيس الوزراء الماليزي في خطاب متلفز ليؤكد موقف بلاده من القضية الفلسطينية وعزمها على تقديم مساهمات مادية بالإضافة إلى تقديم مساهمات للهيئات الدولية الأخرى لمساعدة شعب فلسطين في مواجهة قمع النظام الإسرائيلي. وكان ملك ماليزيا السلطان عبدالله رعاية الدين المصطفى بالله شاه في مقدمة من قدموا دعمهم للشعب الفلسطيني وأعرب عن قلقه وحزنه إزاء العدوان العسكري الإسرائيلي على المسجد الأقصى وقطاع غزة، كما بحث تطورات المشهد الفلسطيني مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عشية عيد الفطر، وأكد استعداد بلاده للانضمام إلى تركيا والمجتمع الدولي في إدانة التوغلات والغارات الجوية الإسرائيلية واعتداءات اليهود المهاجرين غير الشرعيين على الفلسطينيين والمصلين في المسجد الأقصى.
لم تقتصر الجهود والتحركات على الملك ورئيس الوزراء، بل لعب وزير الخارجية هشام الدين حسين دورًا هو الآخر من خلال تصريحاته في عدة محافل معربًا عن خيبة أمل بلاده نتيجة “عجز” مجلس الأمن الدولي عن وقف العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. وعلى الصعيد الإقليمي، رأى الوزير أنه من غير المقبول “افتقار” منظمة التعاون الإسلامي إلى الإرادة السياسية في حل القضية الفلسطينية، خاصة في ظل هدم المزيد من المنازل وارتفاع عدد القتلى والمزيد من البؤس الذي يلحق بالفلسطينيين، داعيًا المنظمة إلى لعب دورها في وقف إراقة دماء الفلسطينيين ومحاسبة إسرائيل بصفتها مرتكبة هذه الجرائم الشنيعة وضمان عدم إفلاتها من العقاب. لكن تصريح هشام الدين عن قلة فعالية منظمة التعاون الإسلامي أعاد للأذهان موقف الحكومة السابقة ورئيسها مهاتير محمد من المنظمة وما مثلته قمة كوالالمبور عام 2019 من محاولة لسحب البساط واستبدالها.
امتد الدعم إلى الجانب الدفاعي، فقد صرح وزير الدفاع الماليزي داتوك سيري إسماعيل صبري يعقوب، بأن بلاده مستعدة لإرسال قوات حفظ السلام إلى فلسطين إذا طلبت الأمم المتحدة ذلك. ولماليزيا تاريخ في إرسال قواتها في مهام حفظ السلام تحت إشراف الأمم المتحدة في عدة دول منها البوسنة والهرسك ولبنان والفلبين والسودان والكونغو.
كما أن لوزير الاتصالات سيف الدين عبدالله دورًا في نصرة القضية من خلال توجيه وزارة الاتصالات والوسائط المتعددة لمتابعة منصات التواصل الاجتماعي التي تبدو منحازة وتفرض رقابة على المحتوى الداعم للنضال الفلسطيني، كما شهدت مواقع التواصل الإجتماعي في ماليزيا تضامنًا واسعًا مع الفلسطينيين والمقاومة وبدا ذلك واضحًا من خلال تصدر هاشتاجات داعمة للمقاومة على تويتر وانتشار صور تضامن وفيدوهات لمشاهير تعبر عن مدى استيائهم مما يجري في فلسطين.
على ما يبدو أن القضية الفلسطينية جمعت بين الضدين -المعارضة والحكومة- فلم يكن الدعم قاصرًا على الجهات الحكومية، فقد لعبت الأطراف الأخرى وعلى رأسها المعارضة ومنظمات المجتمع المدنية دورًا ملموسًا. حيث هاتف رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بمناسبة عيد الفطر، وناقش معه ما يحدث في المسجد الأقصى وفلسطين، معتبرًا الفظائع التي يرتكبها الإسرائيليون ضد الفلسطينيين هي تجاوز صارخ لحقوق الإنسان والإنسانية. وصرح مهاتير لاحقًا بأن الإسرائيليين يرتكبون الآن نفس الفظائع التي فعلها النازيون بهم في الماضي ضد الفلسطينيين، داعيًا الدول الإسلامية والدول الأخرى التي تؤمن بحقوق الإنسان إلى دعم الفلسطينيين مع “الجلوس والتفكير في استراتيجية مناسبة” لتحقيق النصر لهم.
أعربت كذلك عدة أحزاب ومنظمات ماليزية محسوبة على تيارات وكيانات مختلفة عن دعمها لموقف الحكومة وخطاب رئيس الوزراء تان سري محي الدين ياسين من الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين. كان أبرزها الجبهة الوطنية ولجنة من مجلس الشيوخ ومجلس الشباب الماليزي. وطالبوا الحكومة بمزيد من السعي إلى حلول شاملة وعادلة للشعب الفلسطيني، ومواصلة إدانة الأعمال الإسرائيلية الدنيئة. كما قام زعماء تحالف الأمل برفع مذكرة موقعة من نواب المعارضة تدعو إلى وقف تصعيد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى سفارة الولايات المتحدة لدى ماليزيا.
وطالب القيادي بحزب أمانة الماليزي خالد صمد، رئيس الحزب الإسلامي والمبعوث الخاص للشرق الأوسط عبد الهادي أوانج، بمخاطبة الدول العربية للانضمام إلى ماليزيا في الاحتجاج على العنف الإسرائيلي في قطاع غزة. وقال خالد إنه يتعين على الحزب الإسلامي الماليزي، باعتباره جزءًا من حكومة التحالف الوطني، أن يوضح موقف الحكومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. مؤكدًا أن “الوحدة العربية مهمة للغاية لتحقيق تحركات فعالة”.
كما طالب نائب رئيس حزب أومنو داتوك سيري محمد خالد نور الدين ماليزيا إلى اتخاذ إجراءات حازمة وواضحة وجذرية ضد جرائم الحرب الإسرائيلية واحتلال الأراضي الفلسطينية من خلال إعلان إسرائيل دولة فصل عنصري بشكل رسمي، معتبرًا الخطوة ستغير موقف النظام في المنتديات العالمية ويمكن أن تؤدي إلى تداعيات أكثر خطورة بما في ذلك إنهاء العلاقات الدبلوماسية وحظر المشاركة في مختلف الأحداث العالمية مثل دورة الألعاب الأولمبية، قائلًا إن انتقادات وإدانات العالم لم تكن كافية ولا ينبغي أن تكون موسمية.
وفيما يخص المساعدات، دعت مؤسسة الرحمة الماليزية المنظمات غير الحكومية إلى دمج التبرعات والمساعدات الإنسانية لشعب فلسطين لضمان إيصالها مباشرة إليهم. وشجعت لجنة حقوق الإنسان في ماليزيا (سوهاكام) على إعطاء الأولوية لإنقاذ أرواح الفلسطينيين من خلال توجيه المساعدة الإنسانية العاجلة لهم. وأصدرت عدة ولايات منها جوهور وساراواك وبيراك وبيرليس تعليمات لجميع المساجد بصلاة القنوت وصلاة الحاجة والدعاء لشعب فلسطين.
دعم المقاومة
تعد ماليزيا واحدة من الدول الداعمة للمقاومة الفلسطينية بشكل علني وتسمح بتواجد مكاتب رسمية لها على أراضيها. وفي هذا الصدد، أجرى زعيم حركة حماس إسماعيل هنية مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء تان سري محي الدين ياسين لإبلاغه بآخر التطورات بشأن الاجتياح العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في منطقة الشيخ جراح في القدس الشرقية كما أعرب عن تقديره لقيادة وشعب ماليزيا على دعمهم الطويل الأمد ووقوفهم الحازم في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني. وعقب انتشار مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يقول أن ماليزيا بين عدة دول ستتلقى تهديدات أمنية من إسرائيل نتيجة وجود قيادات المقاومة على أراضيها، قال وزير الداخلية، داتوك سري حمزة زين الدين، إن الشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى عززت جميع جوانب الأمن للحفاظ على النظام العام والسلامة العامة للماليزيين، وكذلك الفلسطينيين الذين يعيشون في البلاد. وأكد أن وزارة الداخلية الماليزية تنظر بجدية إلى التهديد الأمني الذي قد تشكله إسرائيل ضد قادة النضال الفلسطيني في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك ماليزيا. يُذكر أن كوالالمبور قد شهدت حادث اغتيال أحد أعضاء حركة حماس المهندس فادي البطش في أبريل عام 2018، وقد اتُهم الموساد الإسرائيلي بتنفيذ العملية.
الموقف الماليزي تجاه ما يحدث في غزة اتفقت فيه الحكومة والمعارضة رغم الخلافات السياسية مع تضامن الشعب باختلاف تياراته مع تلك الأحداث الأخيرة وهو ما يفسر تجذر القضية الفلسطينية في ماليزيا.