سبتمبر 20, 2024
تقارير

استقالة محي الدين ومستقبل ماليزيا

وضعت استقالة رئيس الوزراء الماليزي نهاية لنحو عام ونصف وهي أقصر فترة حكم في تاريخ ماليزيا. فحكومة التحالف الوطني ظلت تحت وطأة التوتر السياسي التي شهدتها البلاد منذ ولادتها واشتدت أزمتها في الأيام القليلة الماضية متزامنة مع الجائحة العالمية واقتصاد متهالك ونظام صحي على حافة الإنهيار. ومع غياب أغلبية واضحة لأي من نواب البرلمان الماليزي الذي تعطل بموجب قانون الطوارئ وصعوبة إجراء انتخابات عامة مبكرة، عادت الكرة إلى ملعب ملك ماليزيا بعيد استقالة محي الدين ياسين ليختار بين حل البرلمان أو اختيار رئيس للوزراء توافقي يحظى بالأغلبية أو حكومة تصريف أعمال بقيادة رئيس الوزراء السابق. فجاء قرار ملك ماليزيا وفقًا لسلطته الدستورية بتكليف محي الدين بإدارة حكومة انتقالية بعد قبول استقالته لحين اختيار رئيس وزراء جديد.

 

غياب الأغلبية والتوتر السياسي

واجه محي الدين أزمة غياب الأغلبية حكمت على تحالفه حكومة التحالف الوطني بالوصول إلى طريق مسدود رغم ما اتخذته من إجراءات واسعة سواء على المستوى المحلي لاحتواء الجائحة عبر إعلان العديد من حزم المساعدات الاقتصادية لتخفيف آثار الإغلاق، أو على المستوى الدولي الذي ارتكز على إصلاح العلاقات الخارجية مع الحلفاء التاريخيين لماليزيا وخاصة المملكة العربية السعودية عبر سلسلة من الزيارات رفيعة المستوى. لكن ضغط المعارضة متمثلة في تحالف الأمل وانسحاب حزب أومنو من تحالف محي الدين واستقالة وزيرين كان له أثر بالغ في الوصول إلى قرار الاستقالة. 

 

وكما أن الانتقاد العلني النادر الذي قام به ملك ماليزيا السلطان عبدالله بشأن قرار الحكومة المنفرد في إلغاء قوانين الطوارئ دون موافقته. فيما طالب الملك الحكومة أكثر من مرة بإعادة عقد جلسات البرلمان المتوقفة بفعل قانون الطوارئ والذي انتهى مطلع الشهر الجاري، مما أظهر عدم توافق الرؤى بين القصر الوطني والحكومة. وبالرغم  من انعقاد البرلمان إلا أن قرار الحكومة بتعليق جلساته مجددًا مبررة بوجود عدد من الحالات المصابة بكوفيد-19 بين النواب والعاملين في البرلمان، الأمر الذي اعتبرته المعارضة وبعض الأطراف المحسوبة على الحكومة تهربًا من تصويت الثقة.

 

العرض الأخير 

في محاولة أخيرة منه للحفاظ على مجلس وزرائه، خرج محي الدين ياسين في خطاب خاص عرض فيه التعاون مع المعارضة ومنحهم منصب وزاري رفيع لوقف الخلاف السياسي والالتفات إلى محاربة الجائحة. العرض الذي أطلق عليه “غصن الزيتون” لم يلق سوى الرفض من المعارضة التي اعتبرته رشوة سياسية كما انتقده رئيس الوزراء السابق نجيب رزاق. العرض جاء بعد تعديل وزاري بسيط لصالح حزب أومنو مع تعيين وزير أول الدفاع اسماعيل صبري في منصب نائب رئيس الوزراء وترقية هشام الدين حسين إلى وزير أول الخارجية، وهي خطوة رأها محللون محاولة لاستمالة الحزب وثنيه عن سحب الدعم من الحكومة.

 

رئيس الوزراء يستقيل

جاءت استقالة محي الدين ياسين بعد سبعة عشر شهرًا من وصوله إلى رأس السلطة في بوتراجايا، وكانت فترة شديدة الاضطراب سياسيًا وخاصة بعدما دب الشقاق بين مكونات التحالف الذي كان يقوده محي الدين في ظل كساد اقتصادي سببه الوباء ومع تسجيل أرقام قياسية للإصابات والوفيات لكورونا مؤخرًا.

وفي خطاب إعلان الاستقالة عقب لقاء ملك ماليزيا، أكد محي الدين أنه بذل كل ما في وسعه للحفاظ على وحدة تحالفه لكن وجود أحزاب جشعة تسعى للاستيلاء على السلطة وأشخاص فاسدين حال دون استمراره في منصبه.

 

مرسوم ملكي جديد

استقالة محي الدين ياسين أعادت الأمر برمته إلى القصر الوطني، ووضعت ملك البلاد أمام ثلاث خيارات وفقًا للدستور الاتحادي وهي إما أن يكلف حكومة مؤقتة لإدارة شؤون البلاد لحين الاستقرار على اسم رئيس وزراء يحظى بأغلبية واضحة داخل البرلمان، أو حل البرلمان والدعوة لانتخابات عامة مبكرة وهو حل كان غير مرجح نظرًا للوضع الوبائي الصعب الذي تشهده ماليزيا، أو تكليف نائب برلماني جديد بتشكيل الحكومة يعتقد الملك أنه يمتلك الأغلبية.

لكن تحرك ملك ماليزيا بتكليف محي الدين بقيادة الحكومة الانتقالية كان هو أقصر الطرق إلى بسط الاستقرار مع غياب إمكانية إجراء تصويت الثقة أو سحب الثقة داخل البرلمان. وبحسب محللين، فإنها فرصة لكل من الملك لدراسة ملفات النواب المرشحين لرئاسة الوزراء والتأكد من امتلاكهم للأغلبية البرلمانية وللبلاد للتعافي من آثار الجائحة دون الحاجة إلى إجراء انتخابات قد تزيد الوضع الصحي سوءًا. بيان القصر أكد أنه لا احتمال لإجراء انتخابات عامة مبكرة في ظل استمرار جائحة كوفيد-19، ما يعني أن محي الدين قد يستمر في منصبه “المؤقت” إلى حين إجراء الانتخابات العامة الخامسة عشر.

 

مستقبل المشهد السياسي

السيناريو الذي تم تنفيذه اليوم، وضع نهاية للنزاع على السلطة وتهديدات سحب الثقة وكذلك معضلة الأغلبية البرلمانية، لكن لا يزال من غير الواضح من سيخلف محي الدين كرئيس للوزراء وهو قرار سيحدده الملك حين يتأكد من امتلاك أحد النواب للأغلبية البرلمانية. التقارير تتحدث عن تصدر إسماعيل صبري يعقوب لقائمة المرشحين في ظل احتمال تشكيل تحالف جديد بقيادة حزب أومنو الطامح للعودة إلى سدة الحكم بعد خسارته التاريخية في 2018. بينما يخوض تحالف الأمل المعارض بقيادة داتوك سيري أنور إبراهيم حربًا أخرى لإثبات امتلاكه للأغلبية في البرلمان. وفقًا للمشهد الماليزي الحالي، تبقى فرصة قوية لاستمرار محي الدين في منصبه الجديد حتى موعد الانتخابات العامة الخامسة عشر، وذلك بعد استبعاد احتمال إجراء انتخابات مبكرة في ظل جائحة كورونا وغياب شخصية تحظى بالأغلبية.

 

Related posts

تفاعل ماليزي مع التصعيد الإيراني الإسرائيلي

Sama Post

ردود الأفعال الماليزية على القمة العربية الإسلامية

Sama Post

ردود الأفعال على المسئ الماليزي

Sama Post

تقرير ماليزيا لشهر أغسطس 2021

Sama Post

محي الدين وزيارة الإمارات والمكاسب الانتخابية

Sama Post

ولي عهد أبوظبي في ماليزيا

Sama Post