الموجز
أصرت الحكومة الماليزية على قرارها بترحيل ما يزيد عن ألف مواطن ميانماري إلى بلدهم، رغم مناشدات منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية ونواب المعارضة، إضافة إلى عدم التزامها بقرار المحكمة الذي أمر بتأجيل عمليات الترحيل لحين البت في الطعن المنظور أمام المحكمة العليا.
وعلى الرغم من أن ماليزيا لا تعترف رسميًا باللاجئين، وتحتجزهم مع غيرهم من المهاجرين غير الشرعيين، إلا أنها تعهدت سابقًا بعدم ترحيل الروهينجا المسلمين واللاجئين المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وجاءت عملية الترحيل متناقضة مع موقف الخارجية الماليزية التي أدانت الإنقلاب العسكري في ميانمار، وهو ما اعتبرته المعارضة تعاونًا بين حكومات غير شرعية.
لا لترحيل اللاجئين
قالت منظمة العفو الدولية إن الـ 1,200 شخص بينهم بعض حاملي وثائق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وطالبي اللجوء والأطفال المنفصلين عن آبائهم الذين ما زالوا في ماليزيا.
وكشفت منظمات حقوقية بأن السلطات الماليزية لا تسمح للمفوضية بالوصول إلى مراكز احتجاز المهاجرين غير الشرعيين منذ أغسطس 2019.
وأفادت بعض وكالات الأنباء بوجود طالبي لجوء من أقلية تشين وكاشين والمجتمعات المسلمة غير الروهينجا الفارين من الاضطهاد في ميانمار، بينما أصرت ماليزيا أنها لا تقوم بترحيل اللاجئين المسجلين لدى المفوضية أو مسلمي الروهينجا.
صدمة الترحيل
أعلنت إدارة الهجرة الماليزية قيامها بترحيل 1,086 مواطنًا ميانماريًا وصفتهم بأنهم مهاجرون غير شرعيين، وذلك بعد ساعات فقط من صدور أمر المحكمة العليا بتعليق مؤقت لأي جهود لترحيل 1,200 شخص إلى ميانمار.
وقال المدير العام لإدارة الهجرة في ماليزيا داتوك خير الدزيمى داود، إن الإدارة تعاونت مع القوات المسلحة الماليزية وخاصًة البحرية الملكية الماليزية وسفارة ميانمار، وتم تنفيذ الأمر بنجاح لإعادة 1,086 فردًا إلى وطنهم. ولم يتطرق إلى أمر المحكمة العليا أو الدعوى القضائية الجارية التي رفعتها منظمات حقوق الإنسان لوقف الترحيل، مشيرًا إلى أن الأشخاص البالغ عددهم 1,086 تم احتجازهم في مراكز احتجاز المهاجرين على مستوى البلاد منذ عام 2020، وتم إعادتهم إلى ميانمار عبر ثلاث سفن تابعة لبحرية ميانمار عبر قاعدة البحرية الماليزية في لوموت بولاية بيراك.
لكنه أكد في الوقت ذاته أن جميع المحتجزين الذين تم ترحيلهم هم مهاجرون غير شرعيين ولا يشملون أقلية الروهينجا أو طالبي اللجوء، مع موافقتهم على الترحيل طواعية دون إجبار.
قرار قضائي بوقف الترحيل
رحبت جماعات حقوقية بقرار المحكمة الماليزية بوقف عمليات ترحيل مواطني ميانمار ليوم واحد، مطالبين الحكومة بالسماح للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بزيارة نحو 1,200 شخص خططت ماليزيا لترحيلهم عبر ثلاث سفن بحرية أرسلها جيش ميانمار.
وكانت منظمة العفو الدولية ومنظمة حق اللجوء الماليزية، قد أصدرت بيانًا رحبت فيه المديرة التنفيذية لمنظمة العفو الدولية كاترينا يورين مالياموف بقرار المحكمة، في انتظار جلسة المراجعة القضائية أمام المحكمة العليا في كوالالمبور في اليوم التالي. لكن الحكومة الماليزية لم تلتزم بالقرار ورحلت 1,086 شخصًا.
ورغم تنفيذ عملية الترحيل، فقد أصدرت المحكمة العليا قرار آخر يلزم الحكومة الماليزية بعدم ترحيل من تبقى من مواطني ميانمار البالغ عددهم 1,200 شخص المشار إليهم في الدعوى القضائية حتى الفصل في الأمر.
الترحيل مستمر
أكدت إدارة الهجرة أن عملية الترحيل هي جزء من عمليات مستمرة لترحيل المحتجزين في مراكز احتجاز المهاجرين غير الشرعيين في ماليزيا، وأن جهود الترحيل هذه تباطأت في عام 2020 حيث أغلقت العديد من الدول حدودها بسبب الجائحة العالمية.
كما أعلنت إدارة الهجرة عن استمرارها في بذل الجهود والتعاون مع وزارتي الداخلية والخارجية للحصول على موافقة الدول ذات الصلة مثل فيتنام وإندونيسيا وبنجلاديش لإعادة مواطنيها المحتجزين حاليًا في ماليزيا.
الترحيل وصمة عار
وصفت منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان تصرف الحكومة الماليزية رغم أمر المحكمة بتعليق الترحيل، بأنه قاسِ وغير إنساني.
وقالت المديرة التنفيذية للمنظمة، إن المجموعة صُدمت من تصرف الحكومة الماليزية خاصًة وأن المحكمة كانت ستسمع دعواها القضائية للطعن في القرار في اليوم التالي، معتبرة قرار الحكومة الماليزية بالترحيل تحدِ لأمر المحكمة. كما وصفت تصريحات إدارة الهجرة بأنه لا يوجد طالبي لجوء بين المرحلين، بأنها “كاذبة تمامًا”. ورأت المنظمة هذه الخطوة بمثابة “وصمة عار” لا تمحى من سجل حقوق الإنسان في ماليزيا الذي شهد بالفعل تدهورًا حادًا خلال العام الماضي.
وتتخوف منظمات حقوق الإنسان من أن يظل هؤلاء الأشخاص قيد الاحتجاز إلى أجل غير مسمى حين وصولهم إلى ميانمار في ظل الوضع غير المستقر بسبب الانقلاب العسكري هناك.
حكومات غير شرعية
هاجم عدد من نواب المعارضة قرار الحكومة وإدارة الهجرة بترحيل مواطني ميانمار، معتبرينه تجاهلًا لقرارات المحكمة. وضغطت المعارضة للحصول على إجابات من الحكومة الماليزية بشأن قرارها. وبحسب النواب فإن قرار الترحيل جاء متناقضًا مع موقف وزارة الخارجية التي أدانت الانقلاب العسكري في ميانمار الذي وقع مطلع الشهر الجاري، ويشير إلى تعاون بين حكومتين “غير شرعيتين”. كما اعتبر النواب تعامل ماليزيا مع السلطة العسكرية التي أطاحت بحكومة منتخبة بشكل شرعي؛ أمرًا مزعجًا وينتهك مبادئ رابطة آسيان.
تنديد دولي
أعرب كلا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عن قلقهما إزاء ترحيل ماليزيا لمواطني ميانمار في وقت تشهد فيه ميانمار انقلابًا عسكريًا.
وقال الاتحاد الأوروبي إنه “يأسف بشدة” لتحرك السلطات الماليزية للمضي قدمًا في الترحيل على الرغم من أمر المحكمة كما أعرب عن قلقه من استخدام السفن البحرية التابعة لجيش ميانمار، مؤكدًا أهمية احترام القانون الدولي ومبدأ عدم الإعادة القسرية. وكان الاتحاد الأوروبي قد حث ماليزيا على التخلي عن الخطة في وقت سابق.
كما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، إن الولايات المتحدة دعت دول المنطقة إلى تأجيل أي عمليات ترحيل في ضوء الانقلاب العسكري في ميانمار. وكانت الولايات المتحدة قد حاولت هي الأخرى ثني ماليزيا عن المضي في الترحيل وحثت الحكومة على السماح للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمقابلة اللاجئين.
تناقض واضح
أشارت عدة أطراف إلى أن عملية الترحيل تضفي الشرعية على الحكومة العسكرية في ميانمار من خلال التعاون مع المجلس العسكري. وهو ما يعد تناقضًا واضحًا مع موقف الحكومة الماليزية ووزارة خارجيتها من الانقلاب الذي وقع في الأول من فبراير، حيث كانت ماليزيا قد دعت جميع الأطراف في ميانمار إلى حل أي نزاع انتخابي سلميًا بعد أن قام الجيش بالاستيلاء على السلطة واحتجاز أعضاء الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا برئاسة الحائزة على جائزة نوبل أونغ سان سو كي.
وأكدت الخارجية الماليزية دعمها لاستمرار المناقشات بين قادة ميانمار لتجنب العواقب السلبية على شعب ودولة ميانمار، خاصة في الوضع الصعب لوباء كوفيد-19. وحثت وزارة الخارجية ميانمار على التمسك بسيادة القانون وحل أي تناقضات انتخابية من خلال الآليات القانونية القائمة والحوار بطريقة سلمية، مضيفة أن ماليزيا تتمسك بدعم عملية التحول الديمقراطي والتنمية الاقتصادية الشاملة في ميانمار.
الأمر الذي يطرح تساؤلًا مشروعًا، ألا وهو: ما الهدف من ترحيل لاجئي ميانمار في هذا التوقيت؟ هل تريد حكومة التحالف الوطني استرضاء الجبهة المعارضة لاستقبال اللاجئين بهدف جمع الدعم اللازم لاستمرارها في السلطة أم أنها تعترف حقًا بالسلطة العسكرية في ميانمار!