العلاقات السعودية التايلاندية
من منظور ماليزي
بعد قطيعة امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، اتفقت السعودية وتايلاند على إعادة العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل بين البلدين. ومع المبادرة السعودية التي تُوجت بزيارة رئيس وزراء تايلاند ووزير الدفاع، الجنرال برايوت تشان أوتشا، إلى المملكة، وضعت الرياض وبانكوك نهاية للتوتر الناجم عن قضية “الماسة الزرقاء”.
تايلاند الدولة العضو الفاعل في رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان)، والمتجهة بقوة الآن إلى الانخراط في علاقات تجارية واقتصادية أعمق مع السعودية، ربما أثارت الغيرة لدى جارتها ماليزيا. تجمع تايلاند وماليزيا حدود برية يبلغ طولها 658 كيلومترًا، وتتنافس الدولتين في العديد من المجالات.
فترت علاقة كوالالمبور مع الرياض بعد انتخابات عام 2018، التي جاءت بتحالف الأمل المعارض إلى السلطة، لكن الأثر السلبي لفترة مهاتير محمد الثانية التي لم تستمر لأكثر من العامين ظل مستمرًا حتى الآن وبعد تغيير حكومة بوتراجايا مرتين. ولعل أبرز تلك الشواهد وجود زعيم الحزب الإسلامي الماليزي عبد الهادي أوانج في منصب مبعوث رئيس الوزراء إلى الشرق الأوسط رغم علامات الاستفهام المحيطة به وموقف الرياض وأبو ظبي منه. وقد تزامنت زيارة رئيس الوزراء التايلاندي إلى السعودية مع زيارة قام بها هادي إلى قطر.
من المُلاحَظ أن كل خطوات رمرمة العلاقات السعودية التايلندية كانت محط اهتمام جميع وسائل الإعلام بدءًا من زيارة رئيس وزراء تايلاند مرورًا بتصريحات الوزراء التايلنديين وانتهاءًا بقبول دعوة سمو ولي العهد لزيارة بانكوك مما يؤكد أن العلاقة السعودية التايلاندية تحط نظر الإعلام والسياسة على حد سواء ولعل الخوف من سحب بساط التفرد الماليزي بالنصيب الأكبر من الاستثمارات الخليجية إلى وقت قريب هو هاجس يؤخذ في عين اعتبار الحكومة الحالية.
ترى ماليزيا في دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات مصدرًا قويًا للاستثمارات الأجنبية التي من شأنها ترميم آثار الدمار الاقتصادي الذي خلفته جائحة كورونا. لكن تبدو ماليزيا متأخرة مقارنة بجارتها إندونيسيا التي تلقت وعدًا إماراتيًا باستثمار 10 مليارات دولار في صندوق ثروتها السيادية لتطوير البنية التحتية وتشييد العاصمة الجديدة في كالمنتان، وها هي السعودية تستعد لتوقيع مذكرة تفاهم مع تايلاند في مجال تشجيع الاستثمار المباشر.
عودة العلاقات بين الرياض وبانكوك، تعني أيضًا دخول منافس جديد لماليزيا على مستوى السياحة العلاجية، فماليزيا التي تحتل المركز الأول في تقديم الرعاية الصحية في جنوب شرق آسيا أصبحت في مواجهة تايلاند التي تملك أكبر عدد من المستشفيات المعتمدة دوليًا في المنطقة وتتميز بقلة تكاليفها وتنوع خدماتها.
وتتوقع تايلاند كذلك أن يقفز عدد السياح السعوديين إلى 10 أضعاف، أي إلى حوالي 300 ألف سائح سنويًا، بعد أن انخفض عدد السائحين السعوديين إلى 467 فقط في العام الماضي. وهو أمر يثير حفيظة ماليزيا بالتأكيد، حيث يعتمد اقتصادها على السياح الأثرياء والذي يشكل السائح السعودي أحد أعمدته.
وعلى ما يبدو، أصبح جار ماليزيا منافسًا في العديد من المجالات الصناعية والزراعية وحتى في مجال صناعة الحلال، حيث تركز وزارة التجارة التايلندية حاليًا على فتح الباب لتصدير الدجاج والأطعمة الحلال إلى السعودية. فماليزيا اختارت مدينة جدة السعودية مركزًا إقليميًا لتوزيع وتصدير زيت النخيل وباقي منتجاتها الزراعية مثل الأخشاب والمطاط إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، كما أنه من المتوقع أن تقفز الصادرات التايلاندية إلى السعودية بشكل متسارع إلى خمسة مليارات دولار. ومنذ انطلاق إكسبو دبي 2020 في أكتوبر الماضي، تبذل ماليزيا قصارى جهدها للانخراط أكثر في منطقة الشرق الأوسط وعقد صفقات مع شركات خليجية وسعودية لتأمين تدفق الاستثمار الأجنبي لمساعدتها في التعافي من آثار الجائحة التي هزت اقتصاد ماليزيا بشدة. كما أن هناك تخوفًا من أن يأفل نجم ماليزيا في الخليج بعد دخول تايلاند على منافستها خليجيًا ونمو العلاقات الإندونيسية الخليجية في الفترة الأخيرة. ومن المتوقع أن تزيد ماليزيا من تواجدها في المنطقة مع مزيد من الزيارات رفيعة المستوى إلى الرياض وعواصم دول عربية أخرى، معتمدة على ريادتها في مجال المصرفية والصكوك الإسلامية والتكنولوجيا وغيرها من المجالات الجاذبة للاستثمارات، مستفيدة من العلاقات القوية لعدد من السياسيين والمسؤولين الحاليين مع الجانب السعودي.