الملخص التنفيذي
اختار محي الدين ياسين رئيس وزراء ماليزيا دولة الإمارات العربية المتحدة لتكون وجهته الثانية بعد المملكة العربية السعودية، في زيارة رسمية إلى الشرق الأوسط استغرقت ستة أيام. وجاءت الزيارة في ظل موقف صعب تواجهه حكومته غير المنتخبة مع ازدياد حدة المعارضة والمطالبات بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
زيارات متكررة
لم تكن زيارة محي الدين الزيارة الأولى رفيعة المستوى بين البلدين مؤخرًا، فقد سبقه ملك ماليزيا السلطان عبدالله رعاية الدين المصطفى بالله شاه في شهر ديسمبر الماضي وبعده وزير الخارجية هشام الدين حسين الشهر الماضي. كما قام الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي بزيارة إلى ماليزيا في يوليو 2019. ملك ماليزيا وولي العهد أبو ظبي كانا قد درسا سويًا في الأكاديمية العسكرية الملكية ساندهيرست في المملكة المتحدة قبل عقود، وامتدت العلاقة حتى الآن وظهر أثرها الإيجابي على علاقة البلدين مؤخرًا.
تعاون مستمر
كان الهدف المعلن للزيارة هو تحفيز وزيادة التعاون القائم في مجالات التجارة والاستثمار والزراعة والأمن الغذائي والصحة. فقد صرح رئيس الوزراء الماليزي محي الدين ياسين زيارته لأبو ظبي، أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي أكد له أن “السماء هي حدود” التعاون بين البلدين. مع وعد الأخير بزيادة الاستثمار والتبادل التجاري بينهما بما يصل إلى خمسة أضعاف، وهي خطوة يراها الطرف الماليزي فرصة لتوفير فرص عمل خلال المرحلة الصعبة التي سببتها جائحة كورونا. وكذلك زيادة الطلب على زيت النخيل الماليزي في وقت تفرض فيه دول الاتحاد الأوروبي حظرًا على زيت النخيل.
وشهد القائدان توقيع ثلاث مذكرات تفاهم، وقعها وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان ونظيره الماليزي هشام الدين حسين. شملت مذكرة تفاهم للتعاون في مجال تدريب الدبلوماسيين والتعاون في مجال الأمن الغذائي وإنشاء كرسي أستاذية باسم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية في ماليزيا. كما وقعت شركة البترول الوطنية الماليزية (بتروناس) مذكرتي تفاهم مع شركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك) وشركة مصدر الإماراتية لمتابعة التعاون عبر سلسلة الإمداد في مجال الطاقة.
الإمارات هي الشريك التجاري الأول لماليزيا في منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا، ويُقدر إجمالي حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال السنوات الخمس الماضية بنحو 29 مليار دولار. كما تستثمر شركة مبادلة الإماراتية أكثر من مليار دولار في ماليزيا حاليًا. تستضيف ماليزيا أكثر من 700 طالب وطالبة من دولة الإمارات يدرسون في تخصصات مختلفة في مرحلتي الماجستير والدكتوراه.
رسالة سياسية
ويبدو أن الزيارة رفيعة المستوى إلى الإمارات جاءت في إطار إصلاح العلاقات الخارجية الماليزية التي تضررت خلال فترة حكم تحالف الأمل بقيادة مهاتير محمد التي امتدت لعشرين شهرًا فقط. وانتهت باستقالة مهاتير ليتم تنصيب محي الدين -شريكه في حزب برساتو- خلفًا له دون انتخابات، وبدعم من حزب أومنو والحزب الإسلامي في أول تعاون لمعارضي الأمس. كما أن حكومة محي الدين لا تملك أغلبية مريحة داخل البرلمان ولعل ذلك كان سبب إعلان حالة الطوارئ بمرسوم ملكي رغم وجود قوانين كافية لمكافحة وباء كورونا، حسبما تصريحات المعارضة. ولا تزال حكومة التحالف الوطني تسعى جاهدة لتثبيت أقدامها وتمرير الفرصة على المطالبين بانتخابات مبكرة، واتخذت من تلك الزيارة وما سبقها من زيارة السعودية لإثبات كفاءتها وأحقيتها في البقاء. كما أن التغطية الإعلامية للزيارة كانت غير مسبوقة ، فقد بدا واضحًا وجود خطة إعلامية للزيارة ورصد أحداثها بما يخدم الحكومة، فركز الإعلام على خبر مضاعفة حجم الاستثمار الإماراتي في ماليزيا والذي لم تعلن عنه الإمارات بشكل رسمي بعد.
انتقادات لاذعة
في ظل تعليق عمل البرلمان ومنع جلساته بموجب الطوارئ، ينشط القول بأن رئيس الوزراء الذي لا يملك الأغلبية بحاجة إلى دعم دولي لتقوية موقف حكومته، ويحاول توفير ذلك الدعم بالقيام بزيارات خارجية مكثفة بدأها بإندونيسيا والسعودية والإمارات ويخطط لزيارة الصين وغيرها قريبًا.
اعتبر وزير الخارجية هشام الدين حسين زيارة الإمارات والسعودية انتصارًا دبلوماسيًا واستكمالًا لمسيرة إصلاح العلاقات التي بدأها منذ عام بعد توليه المنصب. لكن منتقدي الزيارة قالوا أن هناك أهداف خفية قد يكون أحدها تسوية خارج نطاق القضاء مع حكومة أبو ظبي بشأن تورط شركة أبو ظبي العالمية للاستثمار في اختلاس أموال صندوق التنمية السيادي الماليزي الذي أسسه رئيس الوزراء الأسبق نجيب رزاق. وكانت تقارير قد أفادت بأن الحكومة الماليزية أوقفت إجراءات دعوى قضائية في المحاكم البريطانية ضد الشركة الإماراتية العام الماضي.
ويُلاحظ عدم حضور المبعوث الخاص لرئيس الوزراء إلى الشرق الأوسط، ورئيس الحزب الإسلامي الماليزي عبد الهادي أوانج، ضمن الوفد الماليزي ولم يكن له أي تصريح حول الزيارة، ويرى البعض سبب ذلك أن عبد الهادي كان نائبًا لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يعتبر منظمة إرهابية، وفقًا لبيان أصدرته السعودية والإمارات والبحرين ومصر في نوفمبر 2017.