أكتوبر 5, 2024
تقارير

ملاحقة بترو سعودي في ماليزيا وسويسرا 

للعام السادس على التوالي تستمر محاكمات فساد رئيس الوزراء الماليزي السابق نجيب رزاق في عدة قضايا متعلقة بصندوق التنمية السيادي (وان ام دي بي)، بتهم تتعلق باختلاس مليارات الرنجت وغسل الأموال واستغلال السلطة. لتعود القضايا المتعلقة بالمشروع الاستثماري المشترك بين صندوق التنمية الماليزي (وان إم دي بيي) وشركة بترو سعودي الدولية إلى الواجهة بقوة خلال الأسابيع الماضية، حيث تشهد المحاكم الماليزية والسويسرية في ذات القضية في آن واحد. ماليزيا تقول إن أكثر من 4.5 مليار دولار أمريكي سُرقت من الصندوق، الذي تأسس عام 2009 وقام بغسلها شركاء رئيس الوزراء السابق عبر عدد من الحسابات المصرفية في عدة دول، وهي قضية وصفتها وزارة العدل الأمريكية بأنها “أكبر قضية فساد حكومي” على الإطلاق. وقد تمت إدانة نجيب رزاق في أحد تلك القضايا وهي قضية فساد شركة إس أر سي الدولية التابعة للصندوق، وبدأ تنفيذ حكم السجن أغسطس الماضي بعد أن استنفذ كافة الدرجات القانونية وحصل على تخفيف للحكم إلى النصف من مجلس العفو الملكي نهاية يناير الماضي لتكون العقوبة ست سنوات بدلا من 12 عاما. 

شاهد من العيار الثقيل

التطور الجديد الذي طرأ على سير المحاكمات، هو مثول أحد المتهمين السابقين في قضايا فساد الصندوق السيادي، أمام المحكمة كشاهد إثبات بعد الهروب خارج البلاد لخمس سنوات. الشاهدة الجديدة هي ياسمين لو، المستشارة العامة السابقة لصندوق التنمية الماليزي السيادي، التي بدأت الإدلاء بشهادتها أمام المحكمة العليا في فبراير الماضي ضد رئيس الوزراء السابق نجيب رزاق في القضية المعروفة باسم صندوق التنمية وشركة تانور للتمويل. ياسمين التي تبلغ 50 عامًا، ظلت مطلوبة من قبل السلطات الماليزية منذ عام 2018 حتى عودتها إلى البلاد في يوليو 2023، حيث تم القبض عليها على الفور واستجوابها من قبل الشرطة قبل تسليمها إلى هيئة مكافحة الفساد الماليزية. ياسمين قالت أن منعها من العودة إلى ماليزيا كانت تهديدات جو لو. وقد أصبحت شاهد الإثبات رقم 50 في القضية المستمرة حاليا، والتي يواجه فيها نجيب رزاق 25 تهمة تنطوي على اختلاس أكثر من 2.28 مليار رنجت ماليزي من أموال الصندوق السيادي ودخلت حساباته المصرفية الخاصة في بنك أيه إم بنك. وهي أموال يدعي نجيب أنها تبرعات سياسية قادمة من العائلة المالكة في المملكة العربية السعودية. 

بترو سعودي ليست سعودية

شهادة ياسمين ارتكزت على أن شركة بترو سعودي الدولية ليست ذا صلة حقيقية بالمملكة العربية السعودية، بل كانت مجرد عملية احتيال كبيرة قادها رجل الأعمال الماليزي الهارب جو لو بالتعاون مع مدراء الشركة السعودي السويسري طارق عبيد والسويسري باتريك ماهوني، تحت إشراف وعلم رئيس الوزراء السابق نجيب رزاق. وفقا للشاهدة، فإن نجيب وجو لو روجوا للصفقة المشبوهة على أنها مشروع استثماري مشترك بين ماليزيا والسعودية لتوثيق العلاقات الثنائية بين البلدين. ياسمين كانت على اطلاع على تفاصيل المشروع الضخم بحكم دورها القانوني بعد انضمامها إلى الصندوق بدعوة من رجل الأعمال الهارب حاليا عام 2011. الإعداد للمشروع المشترك شهد اجتماعا في لندن في مايو 2011 في فندق هيلتون بارك لين، جمع جو لو وطارق عبيد وباتريك ماهوني ولحق بهم نجيب، وفقا لياسمين التي كانت هناك في ذلك الوقت لحضور إجتماع مجلس إدارة الصندوق.

وفي شهادتها المستمرة أمام المحكمة العليا، قالت ياسمين إن الاعتقاد السائد داخل الصندوق كان أن الشريك التجاري للصندوق “بترو سعودي الدولية المحدودة” هو كيان شرعي مقره في المملكة العربية السعودية، لأنها اعتمدت على الإقرارات التي قدمها الرئيس التنفيذي السابق للصندوق شهرول أزرال إبراهيم حلمي.

نفذ صندوق التنمية الماليزي مشروعًا مشتركًا مع شركة بترو سعودي، مما أدى في النهاية إلى خسارة مليارات الرنجت نتيجة “الاستثمار” الذي لم يحقق أي عوائد. وانتهى الأمر بتقديم 1.83 مليار دولار أمريكي من أموال الصندوق لشركة بترو سعودي، تم إرسال 800 مليون دولار أمريكي من تلك الأموال إلى شركة المشروع المشترك و1.03 مليار دولار أمريكي إلى شركة رجل الأعمال الهارب (جوود ستار المحدودة) التي ليس لها علاقات تجارية مع الصندوق. لكن الشاهدة أقرت بأنها لم تقم بما يعرف بالفحص النافي للجهالة حول بترو سعودي لأنه لم يكن هناك شيء يثير الشكوك في ذلك الوقت. ويتهمها فريق الدفاع عن نجيب بعقد صفقة مع جهات التحقيق لإسقاط التهم الموجهة إليها. 

شهادة ياسمين تتقاطع أيضا مع ضابطة التحقيق في هيئة مكافحة الفساد الماليزية،نور عايدة عارفين، يناير الماضي، التي قالت إن إجازة رئيس الوزراء السابق نجيب رزاق وعائلته على متن يخت في عام 2009 تحولت إلى نقاش حول مشاريع دبلوماسية مشتركة مع السعودية ولم تمر عبر القنوات القانونية والرسمية، مما أدى إلى خسائر كبيرة للبلاد . نور عايدة عارفين أشارت إلى اجتماع نجيب خلال الرحلة بمدير بتروسعودي طارق عبيد ورجل الأعمال الهارب جو لو في وجود  شخص يحمل اسم الأمير تركي (الذي قيل إنه أحد أفراد العائلة المالكة في المملكة العربية السعودية) لمناقشة مشاريع حكومية مشتركة. ضابطة التحقيق قالت للمحكمة كذلك إن نجيب أمر مسؤولي الصندوق بعدم تقييم لأصول بترو سعودي رغبة منه في حماية العلاقات الثنائية الجيدة بين ماليزيا والمملكة العربية السعودية، كما ضغط على مجلس إدارة الصندوق لتمرير العديد من الإجراءات والقرارات المتعلقة بالمشروع المشترك مع بترو سعودي. وهي شهادات قريبة مما أدلى به شهود إثبات سابقون على مدار العامين الماضيين.

ووفقا لصحف ماليزية فالأمير تركي هو شريك مؤسس لشركة الخدمات النفطية بترو سعودي ومن بين العديد من الوزراء ورجال الأعمال الذين تم اعتقالهم في عام 2017 أثناء حملة السعودية ضد الفساد. 

بترو سعودي أمام المحاكم السويسرية

بالتوازي مع المحاكم الماليزية، بدأت محاكم سويسرا إجراءات محاكمة المواطن السعودي السويسري طارق عبيد والسويسري باتريك ماهوني بشأن فضيحة صندوق التنمية الماليزي السيادي (1MDB)، لدورهما في المشروع المشترك مع شركة بترو سعودي. مديرا بترو سعودي متهمان برسم خطة في عام 2009 يقوم بموجبها الصندوق الماليزي بإنشاء مشروع مشترك على أساس افتراضات زائفة. ممثلو الادعاء السويسريون يتهمون طارق وباتريك بالاحتيال التجاري وسوء الإدارة الإجرامية وغسل الأموال، بناءً على أحداث وقعت على مدى ست سنوات على الأقل. ويقول مكتب المدعي العام، في مذكرته إنهما سعوا إلى إثراء أنفسهم وآخرين من خلال اختلاس ما لا يقل عن 1.8 مليار دولار تم تحويلها من صندوق الثروة السيادية الماليزي. المذكرة تكشف تفاصيل أكبر عن المشروع المشترك، الذي نص على أن  يضخ الصندوق الماليزي مليار دولار أمريكي وأن تساهم شركة بترو سعودي بأصول تتكون من حقول نفط في تركمانستان والأرجنتين بقيمة 2.7 مليار دولار أمريكي، على الرغم من أن بترو سعودي لم تكن تمتلك تلك الأصول فعليًا، وفقًا لمحكمة بيلينزونا الجنوبية. بعد توقيع الصفقة، تم تحويل حوالي 700 مليون دولار أمريكي من الصندوق إلى حساب مصرفي سويسري مرتبط برجل الأعمال الماليزي الهارب، وانتهى الأمر بعشرات الملايين في أيدي المدعى عليهم وشركة بترو سعودي، دون تنفيذ المشروع المشترك. إضافة إلى أن بترو سعودي دبرت مؤامرة أخرى تهدف إلى دفع مجلس إدارة الصندوق الماليزي إلى تحويل 830 مليون دولار كجزء من “قرض إسلامي” على مدار العامين التاليين، وقد تم تحويلها تلك الأموال أيضا. التحقيقات السويسرية رصدت شراء مجوهرات وفنادق ولوحات فنية ويخت فاخر وتمويل أفلام هوليوود مثل “ذئب وول ستريت” باستخدام الأموال الماليزية المنهوبة. بل واستلم منها نجيب رزاق أكثر من 700 مليون دولار في حساباته المصرفية الشخصية. ووفقا للتقارير، فمن المقرر أن تستمع الهيئة المكونة من ثلاثة قضاة في بيلينزونا السويسرية إلى المرافعات في القضية حتى نهاية أبريل، في حضور كلا المتهمين.

تبرئة ساحة السعودية

مع استمرار القضايا في ساحات المحاكم الماليزية، كانت ردود القضاء والشهود مجمعة على إبطال حجة “التبرع السعودي” التي مازال يتمسك بها نجيب رزاق وفريق دفاعه. التبرع السعودي هو قصة اختلقها نجيب لتبرير وصول ملايين الرنجت إلى حساباته المصرفية، وهو ما أكدته محكمة الاستئناف، في ديسمبر 2021، بعد رفضها بالإجماع استئناف نجيب ضد إدانته والحكم عليه باختلاس 42 مليون رنجت ماليزي من أموال شركة إس أر سي الدولية. قاضي محكمة الاستئناف عبد الكريم عبد الجليل، قال حينها في حكمه المكون من 308 صفحة، إن رواية التبرع السعودي تجاوزت قصص ألف ليلة وليلة، بعد دحض صحة أربعة خطابات رسمية منسوبة إلى العاهل السعودي الراحل. هذه الحقيقة أكدتها عدة أطراف لاحقا، منها قول النيابة العامة، في أغسطس 2022، خلال الاستئناف النهائي للقضية ذاتها بأن 42 مليون رنجت ماليزي وصلت إلى نجيب من  رجل الأعمال الهارب وليس العاهل السعودي. أما في القضية الحالية التي مازالت منظورة أمام المحكمة، فقالت النيابة في ديسمبر 2022، إن الخطابات الأربعة “مزورة” و”لا قيمة لها”. وفي أغسطس 2023، نفت محافظة البنك المركزي السابقة زيتي أختار عزيز تلقي إخطار من بنك “أيه إم بنك” باستقبال تبرع سعودي بقيمة 100 مليون دولار أمريكي. وفي فبراير الماضي، قالت ضابطة التحقيق في هيئة مكافحة الفساد الماليزية نور عايدة عارفين إن رئيس الوزراء السابق يقم بتوجيه أي برقيات شكر إلى السعودية على التبرع المزعوم. ثم جاءت شهادة ياسمين لو لتؤكد قيام رجل الأعمال الهارب جو لو بصياغة خطابات التبرع المزعومة من الأمير سعود بن عبد العزيز آل سعود إلى نجيب رزاق.

Related posts

تقرير ماليزيا شهر أبريل 2022

Sama Post

ردود الفعل الماليزية على المساعدات السعودية

Sama Post

تقرير ماليزيا شهر مارس 2021

Sama Post

الموقف الماليزي من القضية الفلسطينية

Sama Post

زيارة وزير الخارجية التركي إلى ماليزيا

Sama Post

الإعلام الماليزي 2022

Sama Post