أضحت المملكة العربية السعودية وجهة أساسية للمسؤولين الماليزيين رفيعي المستوى، بعد أن كثفت حكومة محي الدين ياسين زياراتها الخارجية منذ مطلع العام الجاري. فيما انتهت زيارة وزير التجارة الدولية محمد عزمين علي، الذي ركز خلال زيارته إلى الرياض على استكمال ما بدأته زيارة رئيس الوزراء، ومتابعة ما تم الاتفاق عليه بين قادة البلدين في المجال الاقتصادي.
الزيارات أيضًا كانت ترجمة لأجندة ماليزيا الخارجية التي أعلن عنها وزير الخارجية هشام الدين حسين في أول يوم له في مكتبه بمبنى ويسما بوترا، حيث قال إن إصلاح العلاقات مع الرياض بات على رأس أولويات الحكومة الجديدة التي صعدت إلى السلطة في مارس من العام الماضي خلفًا لحكومة تحالف الأمل التي انهارت بعد استقالة مهاتير محمد. العلاقات الماليزية السعودية لطالما اتسمت بالاستقرار والقوة على مر الزمن، إلا أنها تضررت بشدة خلال عشرين شهرًا حكمها تحالف الأمل المعارض، ووصل التوتر ذروته في نهاية عام 2019 بعد استضافة قمة كوالالمبور التي حضرها قادة تركيا وإيران وقطر، واعتبرها كثيرون محاولة لسحب البساط من منظمة التعاون الإسلامي.
توالي زيارات المسؤولين الماليزيين إلى الرياض وأبو ظبي أثار التساؤلات حول الغرض الأساسي منها، لكن بالنظر لموقف حكومة التحالف الوطني سياسيًا، نجد أنها تفقد سيطرتها يوم بعد يوم وتخشى انعقاد جلسة البرلمان التي هي مسمار النعش الأخير لحكومة التحالف الوطني التي مضى عام على توليها زمام الحكم في البلاد، وهو ما قد يفسر محاولة تثبيت أقدام الحكومة بالبحث عن دعم وشرعية خارجية. كما أن حصول الحكومة الحالية على استثمارات أجنبية مليارية في ظل التراجع الاقتصادي الذي سببته جائحة كورونا سيكون بمثابة ورقة انتخابية وشعبية قوية، استعدادًا لسيناريو الانتخابات العامة المبكرة التي تلوح في الأفق في ظل مطالبة المعارضة وأطراف متعددة من التحالف الحالي.
الوزير الأول عزمين علي الوزير الشاب هو أحد اللاعبين الرئيسيين في مشهد سقوط تحالف الأمل وصعود التحالف الوطني أو ما بات يعرف باسم “تحرك شيراتون”، وشغل منصب نائب رئيس حزب عدالة الشعب وزعيم المعارضة أنور إبراهيم، المرشح الرئيسي الحالي لرئاسة الوزراء لدى تحالف الأمل الساعي لاستعادة الحكم، لكنه استقال من الحزب وتحالف الأمل ليتولى منصبًا رفيعًا في حكومة محي الدين ياسين. عزمين يرى في نفسه مشروعًا مستقبليًا كرئيس وزراء فيما وظف هذه الزيارة إعلاميًا واستغلاله لزيارة المملكة لإبراز نفسه إعلاميًا في الفترة الرمضانية الدينية من خلال صورة أُخِذَت له أثناء تنظيف الحرم المكي بعد هطول الأمطار، وهو ما احتفت به العشرات من وسائل الإعلام العربية والمحلية. وعلى عكس بعض المسؤولين الماليزيين، كثف عزمين تغريداته اليومية لرصد كافة تحركاته خلال زيارته الرسمية إلى السعودية والإمارات، ورغم ذلك، بدا واضحًا قلة أخبار الزيارة محليًا. ويبدو أن العلاقات مع الإمارات لم يحتفى بها إعلاميًا في وسائل إعلام البلدين وقد تكون تلك إشارة إلى عدم اكتمال تحسن العلاقات بين أبو ظبي وكوالالمبور.
من جهة أخرى، فإن ماليزيا ترى في السعودية والإمارات بوابة وصول إلى سوق الشرق الأوسط وأفريقيا، وتعمل على اللمسات النهائية لفتح مكتب إقليمي لترويج المنتجات الزراعية خصوصًا زيت النخيل في مدينة جدة السعودية بعد أن تم حظره في الاتحاد الأوروبي والتضييق عليها من قبل الولايات المتحدة لأسباب سياسية وحقوقية، كما أن ماليزيا تستعد للمشاركة بقوة في معرض إكسبو 2020 دبي المزمع انعقاده في الفترة من 1 أكتوبر 2021 إلى 31 مارس 2022. كما تروج الحكومة الماليزية لكونها مركز تجاري واستثماري أمام شركات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا، وفي هذا الإطار وقعت شركات ماليزية مذكرات تفاهم مع شركات سعودية لاستكشاف فرص التعاون والاستثمار المشتركة. فالتقى الوزير الماليزي بوزيري الاقتصاد والتجارة الخارجية في الإمارات كما التقى وزير الاستثمار السعودي والأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز. وتهدف ماليزيا للعب دور في رؤية المملكة 2030، حيث أكد الوزير الماليزي في مكالمة مع مستشار الديوان الملكي السعودي، محمد بن مزيد التويجري، أن رؤية المملكة تتوافق مع رؤية ماليزيا للازدهار المشترك 2030، ويجب أن يستثمر البلدين العلاقات طويلة الأمد في تحقيق أهداف هذه الرؤى.