تسريب صوتي
انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي الماليزية مقطع صوتي لمكالمة هاتفية مدتها أربعة دقائق يُزعم أن طرفيها رئيس حزب أومنو أحمد زاهد حميدي وزعيم المعارضة ورئيس حزب عدالة الشعب أنور إبراهيم.
بدأت المحادثة بتهنئة زاهد على نجاح الاجتماع السنوي للجمعية العامة لأومنو وكلمته التي ألقاها خلال الحدث، والتي جاء فيها أن الحزب سوف يخوض الانتخابات العامة القادمة منفردًا ولن يقبل العمل مع أنور إبراهيم أو حزب العمل الديمقراطي وحزب برساتو.
إلا أن طرفي المكالمة ناقشا الحاجة إلى عقد اجتماع طارئ للمجلس الأعلى لحزب أومنو، حتى يتمكن الحزب من مغادرة حكومة التحالف الوطني الحالية واستقالة وزرائه ونوابهم من الحكومة. كما أكدا أن قرار خوض أومنو للانتخابات القادمة بشكل منفرد لا يمثل نهاية لجهودهما وتعاونهما المشترك.
لا يزال زاهد حميدي رئيسًا لحزب أومنو وزعيم الجبهة الوطنية التي حكمت ماليزيا لأكثر من ستين عامًا، أي منذ الاستقلال، حتى أطاح بها تحالف الأمل الذي يقوده أنور إبراهيم حاليًا في منتصف 2018. لكن حكومة تحالف الأمل التي قادها مهاتير محمد، لم تستمر طويلًا حيث استقال مهاتير من رئاسة الوزراء في فبراير 2020 أي بعد نحو عشرين شهرًا فقط، معلنًا انهيار تحالف الأمل، وافساح الطريق أمام حكومة جديدة من اختيار ملك ماليزيا وشكلها محي الدين ياسين بالتعاون مع أومنو والحزب الإسلامي.
كما أن التسريب أثار سخطًا واسعًا بين الأوساط السياسية خاصة المنتمية للحكومة الحالية وعلى وسائل التواصل الإجتماعي، كما يعتقد أن وجود اتصالات ودية وبادرة تعاون بين حزبي أومنو وعدالة الشعب مؤشر على قرب تحول المشهد السياسي في البلاد، خاصة أن أومنو قد قرر سحب دعمه لحكومة التحالف الوطني بقيادة محي الدين ياسين مؤخرًا. كما أن التسريب جاء بالتزامن مع تأكيد تحالف الأمل المعارض اختيار أنور إبراهيم كمرشحه القادم لرئاسة الوزراء، وزعيمًا للحملة الانتخابية للانتخابات العامة الخامسة عشرة.
التعاون خيانة
لم يسلم زاهد من الانتقادات التى وصلت إلى مطالبته بالاستقالة من رئاسة الحزب على خلفية اتصاله المزعوم بأنور. فقد صرح رئيس شباب حزب أومنو السابق والوزير الحالي خيري جمال الدين إن موقف زاهد كرئيس للحزب أصبح يتعذر الدفاع عنه. كما أن المقطع الصوتي تسبب في استياء بين قاعدة أومنو الشعبية، بعد انتشار شائعات تفيد بعزم الحزب على العمل مع المعارضة. ولم يقتصر الأمر على الحزب فقط بل من تحالف معهم، فرئيس الحزب الإسلامي داتوك سيري عبد الهادي أوانج أكد إن حزبه لن يعمل مع حزب أومنو ضمن تحالف موفقات الوطني إذا انحرف الأخير عن الوعود التي قدمها. كما أبدى رئيس الحزب اقتناعه بأن المحادثة جزء من تعاون جديد بين عدالة الشعب وأومنو، ولا يريد الحزب الإسلامي أن يكون جزءًا منها.
كما التحق النائب السابق لرئيس حزب عدالة الشعب داتوك سيري محمد عزمين علي بركب المنتقدين، فأكد أن الصوت في التسجيل يعود لداتوك سيري أنور إبراهيم الذي عمل إلى جانبه لعقود، حسب قوله. معتبرًا تعاون أنور مع زاهد بمثابة أكبر خيانة قام بها أنور ليس فقط لحزبه ولكن أيضًا للأحزاب الأخرى في تحالف الأمل المعارض لأنه أجرى مفاوضات سرية.
سياسة التسريبات مستمرة
يبدو أن سياسة التسريبات للقاءات الخاصة لمسؤلين في الدولة أصبحت ديدنًا، فقد رأى عضو المجلس الأعلى لأومنو داتوك الدكتور محمد بواد زركشي أن التسجيل الصوتي ذو جودة عالية وأن الصوت الذي ورد في المكالمة هو لزاهد، معتبرًا هذا التحرك مؤامرة على أعلى مستوى. كما حذر من مغبة الدخول مرة أخرى في دوامة تسريب المكالمات التي أدت في السابق إلى توقف دولة الإمارات العربية المتحدة عن القيام بأي استثمارات داخل ماليزيا منذ عام 2018، على خلفية نشر مكالمة هاتفية جمعت رئيس الوزراء السابق داتوك سيري نجيب رزاق وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، على يد رئيسة هيئة مكافحة الفساد الماليزية السابقة لطيفة كويا. وتأكيدًا على وجهة نظره، زعم القيادي بأومنو أن الإمارات استثمرت 130 مليار رنجت ماليزي في إندونيسيا بينما لم تجن ماليزيا أي استثمارات رغم قيام رئيس الوزراء تان سري محي الدين ياسين بزيارة إلى الإمارات الشهر الماضي. وأضاف أن تسريب المقاطع الصوتية الخاصة بالمعارضة هو “يوم أسود” للديمقراطية الماليزية.
زاهد وأنور ينفيان
ورغم انتشار المقطع الصوتي وتأكيد العديد بأن التسجيل حقيقي فور انتشاره، بادر رئيس أومنو زاهد حميدي ينفي صلته بالمكالمة المسربة، وأنكر قيامه بمهاتفة أنور بعد اجتماع الجمعية العمومية للحزب، معتبرًا أن المكالمة كانت مجرد مكيدة سياسية من أولئك الذين يحاولون إضعاف أومنو باستمرار. وحافظ زعيم المعارضة أنور إبراهيم على نفي حقيقة المقطع الصوتي، لكنه تساءل في الوقت نفسه عما إذا كان هناك أي خطأ في المكالمة، حيث لم تحوي على أي خيانة أو مخالفة من وجهة نظره. وهاجم رئيس حزب عدالة الشعب الحكومة متهمًا إياها باستخدام مثل تلك الحيل لصرف انتباه الناس عن قضايا الفساد التي تعاني منها البلاد في ظل تعليق عمل البرلمان، بعد أن فشلت في تهديد أو حث الناس على مساندتها. كما تساءل عن اهتمام الشرطة ووزارة الداخلية بالتحقيق في المكالمة المسربة، رغم أنهم لم يتخذوا أي إجراء بشأن مقطع صوتي سابق مزعوم لرئيس الوزراء محي الدين ياسين ورئيس حزب برساتو، يغري فيه قادة أومنو للانضمام إلى حزبه مع وعدهم بمناصب في مجلس الوزراء والشركات الحكومية.
كما أن هناك أطرافًا داعمة لما جاء في المقطع وأنور، حيث رأوا أنه لا توجد مشكلة حتى لو كان المقطع الصوتي أصليًا، وأنه لا يوجد شيء فيما ورد يتعارض مع “روح الإصلاح” التي يتبناها أنور ومؤيدوه. كما صرح أحد المحامين أن المقطع الصوتي ليس “جريمة يمكن مصادرتها” وبالتالي ليس للشرطة سلطة التحقيق في هذا الشأن في ظل غياب أي أساس قانوني. جاء ذلك ردًا على تصريح القائد العام للشرطة الذي قال إنه تم فتح تحقيق في المقطع المنسوب للزعيمين السياسيين.
على الجانب الآخر أكد عضو حزب أومنو المخضرم تان سري تنكو رازالي حمزة أن وجود مؤامرة داخل الحزب للإطاحة برئيس الحزب ليست مفاجأة، لكنه توقع أنها ستفشل، مؤكدًا وقوف معظم أبناء الحزب خلف زاهد وقرار قطع العلاقات مع برساتو وحكومة التحالف الوطني.
وهناك تقليل من شأن التسريب وعدم تأثيره على سير عمل الحكومة أو التحالف الوطني. فنائب رئيس حزب أومنو ووزير الدفاع داتوك سيري إسماعيل صبري يعقوب بيَّن إن الجدل حول التسجيل الصوتي المزعوم لن يزعزع استقرار الحزب أو الجبهة الوطنية والأحزاب المكونة لها. كما أوضح الأمين العام للحزب الإسلامي الماليزي ووزير القانون والبرلمان داتوك سيري تقي الدين حسن أن التسجيل لم يؤثر على العلاقات بين أومنو والحزب الإسلامي أو الأحزاب الأخرى في حكومة التحالف الوطني.
مستقبل الحكومة
ما أحدثه تسريب مكالمة قصيرة بين زعيمي أقوى جبهتين سياسيتين في ماليزيا، ينبئ بأن الحكومة الحالية بقيادة محي الدين ياسين أصبحت على موعد مع انهيار قريب. حكومة التحالف الوطني الحالية قامت بالأساس على دعم نواب حزب أومنو والحزب الإسلامي، ولكن بعد قرار جمعية أومنو العامة بعدم استمرار دعم الحكومة، أصبح من المؤكد عدم امتلاك الحكومة لأغلبية داخل البرلمان، وعليه فلن يستمر محي الدين في سدة الحكم إذا تمت الدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة فور السيطرة على الجائحة. الوعد بانتخابات مبكرة بادر به محي الدين في عدة مناسبات وتطالب به المعارضة ونواب أومنو منذ مدة.