أحدثت قمة كوالالمبور للدول الإسلامية التي حضرها ثلاثة رؤساء مهمين، تغييرا في قواعد اللعبة في علاقات العالم الإسلامي مع المملكة العربية السعودية، حيث يتوقع الخبراء أن تكون للقمة تأثير الدومينو الذي يمكن أن يؤدي إلى نهاية القبضة السياسية للمملكة الغنية بالنفط على الحكومات الإسلامية.
ويرى التقرير أن تحرك الدكتور مهاتير محمد للبحث في مكان آخر لنقل أسرع للتكنولوجيا من شأنه أن يخدم ماليزيا، التي اعتمدت منذ زمن طويل على التكنولوجيا الغربية باهظة الثمن والمحاذير التي تأتي معها في شكل صفقات أسلحة بمليارات الدولارات.
من الناحية السياسية، قال دبلوماسي ماليزي سابق خدم في الشرق الأوسط إن قمة كوالا لمبور قد “ضربت أسطورة قديمة” تجبر الزعماء المسلمين على الالتزام علنا بخط الرياض.
وقال الدبلوماسي المخضرم، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لصحيفة فري ماليزيا توداي “لقد أزاحت أسطورة الاعتقاد بأن الرياض تتولى قيادة العالم الإسلامي لأنها تخدم الحرمين”.
لقد استخدم الملوك السعوديون المتعاقبون لقب “خادم الحرمين” مما يؤكد على أهمية السيطرة على مكة والمدينة – النقاط المحورية للحج.
عقدت قمة كوالا لمبور في ظل حملة الرياض الصامتة بين حلفائها، مما أسفر عن عدم حضور معظم دول الخليج والوفود منخفضة المستوى التي أرسلها المستفيدون غير العرب من المساعدات السعودية.
ونقلت الصحيفة الأسبوع الماضي عن مصادر دبلوماسية قولها إن السعوديين غضبوا بعد رفض مهاتير التراجع وسط ضغوط لإلغاء القمة، والتي كانت في البداية مجهودا مشتركا من جانب ماليزيا وباكستان وتركيا.
ألغى رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان رحلته في الساعات الأخيرة، فيما أكدت مصادر أن ذلك كان نتيجة للدوام الدبلوماسي للدولة الواقعة جنوب آسيا التي تعاني ضائقة مالية والتي تلقت مليارات الدولارات من المساعدات السعودية منذ تولي خان السلطة العام الماضي.
وكان رؤساء الدول الثلاثة الذين حضروا المؤتمر من بين أعداء السعوديين وعم رجب طيب أردوغان التركي، والشيخ تميم بن حمد آل ثاني القطري، والرئيس الإيراني حسن روحاني.
وقد أشارت بعض الدوائر المؤيدة للسعودية في ماليزيا، بما في ذلك الدوائر التابعة للحكومة السابقة التي انضمت علنا في تحالف مع الدولة الوهابية، إلى فشل القمة.
لكن مراقبي الشرق الأوسط المخضرمين يختلفون.
وقال الأكاديمي الفلسطيني عزام التميمي المقيم في لندن، وهو ناقد سعودي قوي، إن قمة كوالا لمبور أظهرت أن الزعماء المسلمين الرئيسيين قرروا “تبني سياسات أو مواقف أكثر انسجاما مع المشاعر التي يعبر عنها شعبهم”.
وقال التميمي، مدير قناة الحوار، إن الزعماء في كوالالمبور اقتربوا من تشكيل تحالف يقاوم “تحالف القوى المضادة للثورة بقيادة الإمارات العربية المتحدة في العالم الإسلامي”.
وأضاف التميمي “أنا معجب بأمير قطر لمقاومته الضغط الذي يمارس على بلده الصغيرة من كيانات أكبر في الشرق الأوسط، بما في ذلك المملكة العربية السعودية ومصر”.
شارك الباحث التركي البارز مصطفى أكيول هذا الرأي، قائلا إن القمة تمكنت من كسر فصل طويل معادي للشيعة من العالم السني ضد إيران.
وقال الكاتب المقيم في الولايات المتحدة “الطائفية مشكلة كبيرة في العالم الإسلامي اليوم، والطريقة الصحيحة للتعامل معها ليست عن طريق بناء كتلة سنية ضد إيران كما يظن البعض، بل عدم وجود كتل على الإطلاق”. مضيفا أنه يجب عدم إلقاء اللوم على إيران.
أكيول، الذي انتقد السياسات غير الديمقراطية للحكومات الإسلامية بما في ذلك ماليزيا، أيد أيضا برأي مهاتير “الصادق” بأن المسلمين قد فقدوا الاحترام على الساحة العالمية.
العوامل المحلية
لكن قمة كوالا لمبور لم تكن منفصلة عن السياسة الداخلية الصاخبة في ماليزيا.
فقد أدى اختيار المتحدثين المحليين إلى إثارة بعض الضوضاء على خلفية نقاش محتدم حول ما إذا كان مهاتير سوف يسلم السلطة إلى أنور إبراهيم كما وعد.
يرى البعض أن المؤتمر استبعد أنور، على الرغم من جهوده للحفاظ على صورته الإسلامية من خلال الظهور في المنتديات الإسلامية في جميع أنحاء العالم.
وقال مصدر “غيابه كان ملحوظا، خاصة وأن الرجل الذي كان يشار إليه دائما بأنه صديقه المقرب (أردوغان) كان في المدينة”.
استشهد مؤيدو أنور بصوره مع أردوغان في مأدبة عشاء خاصة قبل القمة، ووصفوها بأنها دليل على تفضيل الرجل التركي لزعيم حزب عدالة الشعب على رئيس الوزراء المخضرم مهاتير.
لكن دبلوماسي تركي نفى هذه النظرية.
من جانب آخر، قال مسؤول سابق في حركة الشباب المسلم الماليزية (آبيم) “على مدى عقود اختار أنور الاختلاط مع الحكومات والمنظمات الخليجية لإظهار أنه رجلهم في ماليزيا”.
وأضاف “أنور يفضل أن يكون في صحبة ما يسمى السلفيين التقدميين، خاصة في أعقاب تداعيات السعودية وقطر”.
كما قال إن قمة كوالا لمبور كانت في الأساس طريقة مهاتير “للتخلص” من السياسات السابقة الموالية للسعودية.
منافع اقتصادية
في ختام قمة كوالا لمبور، أشاد مهاتير بإيران في تنازل نادر من زعيم دولة إسلامية سنية.
وقالت المصادر إن رئيس الوزراء كان على علم بالردود العنيفة من جانب رجال الدين المحافظين، وكذلك كبار القادة العسكريين المدربين من الغرب.
لكن أحد المطلعين العسكريين أخبر الصحيفة أن الكثيرين قد فوتوا “القرائن الخفية” في خطاب المهاتير حيث أشار إلى مخزون إيران من المهندسين.
وقال إن مواضيع مثل الوحدة الإسلامية ورهاب الإسلام وحتى الدينار الذهبي “مجرد ديكورات” ، مضيفا أن مهاتير كان يعد لشيء أكبر.
وقال إن مهاتير على علم بالتكنولوجيا المتقدمة لإيران، وهو أمر اعترف به الغربيون والإسرائيليون عند اتهامها بالطموح النووية.