المصدر: the Malaysian Insight الرابط: https://www.themalaysianinsight.com/s/404713
يخضع القرار المفاجئ بمنح المملكة العربية السعودية تنظيم دورة الألعاب الشتوية الآسيوية للعام 2029، لمنطق مزدوج، بين توظيف المسابقات الرياضية كواجهة لتلميع الصورة، وسياسة هروب الهيئات الرياضية الدولية إلى الأمام في بحثها اليائس عن دول لاستضافة أحداثها.
من الصعب تخيّل الفجوة الهائلة بين تنظيم مسابقات التزلج في سابورو اليابانية التي استضافت أول نسخة من الآسياد الشتوي في 1986 وكذلك الأخيرة في 2017، واقامتها في صحراء تروجينا الجبلية والتي تبعد خمسين كلم عن سواحل البحر الأحمر ولم يزرها متزلج واحد من قبل.
وعبر الفرنسي يوهان كليري، وصيف البطل الأولمبي في مسابقة الانحدار، عن أسفه لذلك وقال لقناة “أرم ام سي” الثلاثاء إنها “دراماتيكية بالنسبة لرياضتنا”، بينما قال الأمين العام للاتحاد الدولي للتزلج، ميشيل فيون، إنه “فوجئ” بقرار المجلس الأولمبي الآسيوي.
وفي نهاية العام 2021، استضافت دبي مسابقة التعرّج (سلالوم) المؤهلة لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين في قاعة مبرّدة تابعة لمركز تسوق ضخم، وكانت الحرارة بالخارج تبلغ 30 درجة مئوية.
لكن الكثير من الأسئلة تُطرح حول اقامة هذه الألعاب في السعودية التي تواجه مشكل التغيّر المناخي، مع ارتفاع مرتقب لدرجات الحرارة بسبب التأثير الطاقي مرورا بسوء تحويل الموارد المائية المحلية وانشاء منحدرات اصطناعية.
– “شدّ الانتباه” –
لكن رؤية السعودية تتقدّم على خارطة الرياضة العالمية ليس بالمفاجأة في حد ذاته، وذلك بالنظر إلى الاستثمارات التي انجزتها سواء بتنظيم سباقات الفورمولا واحد، الدراجات، منافسات الغولف العالمية او كذلك في كرة القدم بشراء النادي الانكليزي نيوكاسل يونايتد، فضلا عن الاعداد لملف استضافتها لتظاهرة كأس العالم لكرة القدم للعام 2030.
ووراء كل مشروع يُراد تحقيقه هناك هدف محدد. وهدف الألعاب الآسيوية “اقتصادي قبل كل شيئ”، على ما يُبيّن لفرانس برس رافاييل لو ماغوارييك، المتخصّص في الجغرافيا السياسية للرياضة في دول الخليج في جامعة تور في فرنسا.
ويرى الباحث أن هناك تنافس متواصل في الخفاء مع الجيران القطريين والإماراتيين، الروّاد الإقليميين في الدبلوماسية الرياضية، كما أن الرياض “تريد بشكل أساسي تسليط الضوء على مدينتها المستقبلية” نيوم.
وهذا المجمّع الذي تبلغ قيمته مئات المليارات من الدولارات، والذي فرضه ولي العهد محمد بن سلمان، ليس سوى مجرد تصميم جذّاب إلى حد اليوم. لكن المروجين له يريدون تدشينه في العام 2026، بانشاء منحدرات للتزلج مفتوحة على مدار العام وبحيرة اصطناعية وقصور وفنادق فاخرة.
يحذّر لو ماغوارييك من أن “هناك الكثير من الأشياء المجهولة تتعلّق بالجليد و بانجاز المشروع برمته”.
ومن وجهة نظر مناخية، فإن كميات هطول الأمطار المنخفضة للغاية (أقل من 50 مم في السنة وفقا لمصادر مختلفة) يعزّز فرضية عدم نزول الثلج بشكل طبيعي حتى في منتصف الشتاء.
لكن و”في هذه المرحلة”، يشكل منح السعودية تنظيم الألعاب “قبل كل شيء اعلانا لشد الانتباه”، ويجب فهمه “في سياق إقليمي بالكامل”، في تقدير لو ماغوارييك.
-“وقت طويل للتغيير” –
ومن خلال استضافة دورة الألعاب الآسيوية، فإن المملكة “لا تسعى لمخاطبة الجمهور الأوروبي”، ولكن إلى لفت انتباه الطبقات الثرية في الشرق الأوسط وروسيا والهند والصين، “بمنطق نيوليبرالي ويفتقر لأفكار حول البيئة أو حقوق الإنسان”.
من جانب آخر، قد يبدو اختيار المجلس الأولمبي الآسيوي مفاجئا، حيث تضع الهيئات الرياضية سمعتها في الميزان بشكل متزايد في ما يخص التأثيرات الاجتماعية والبيئية لمسابقاتها، والتي تم تحديدها بدقة من قبل الباحثين والمنظمات غير الحكومية.
وفي ظل غياب مرشح آخر “لا يمكن للمجلس الأولمبي الآسيوي أن يكون شديد التدقيق، وقرّر أنه من الأفضل الذهاب إلى المملكة العربية السعودية عوضا عن عدم الذهاب إلى أي مكان آخر”، على ما أوضح بيم فيرشورين، المتخصص في الجغرافيا السياسية الرياضية في جامعة رين II في فرنسا.
نظّمت كل من اليابان والصين تواليا دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في طوكيو والشتوية في بكين، وقد تخلتا عن دورة الألعاب الشتوية الآسيوية بعد استضافتها لستّ من النسخ الثمانية الأولى بينما يحتاج المجلس الأولمبي الآسيوي لدول تستضيف الدورات “للاستمرار سياسيا واقتصاديا”.
ويؤكّد فيرشورين “السؤال الأكبر هو معرفة من هم أول المنظمين الذين سيقللون من حجم الحدث لاحترام معايير الاستدامة”.
لكن الهيئات تبدو “كحمل ثقيل وتستغرق وقتا طويلا لتتغير” وفقا للجامعي، أمام خطر “التأخر” لفترات طويلة مع حالة الطوارئ المناخية.