المصدر: Bernama
الرابط: https://2u.pw/HuW87lWZ
بقلم داتوك بروفيسور دكتور محمد فايز عبدالله، رئيس مؤسسة البحوث الإسلامية الماليزية
اجتمع زعيما دولتين سريعتي النمو – كلتاهما دولتان حديثتان تأسستا على اتحاد الملكيات، وتتمتعان بسواحل وفيرة ونفط ثمين، إحداهما في المناطق الاستوائية والأخرى في الصحراء – في الإمارات العربية المتحدة على مدى الأيام الثلاثة الماضية لتعزيز علاقاتهما الثنائية والتجارية والاقتصادية.
اختتم رئيس الوزراء داتوك سيري أنور إبراهيم زيارته الرسمية الثانية إلى الإمارات العربية المتحدة، والتي كانت أول زيارة خارجية له بصفته رئيسًا لرابطة دول جنوب شرق آسيا والأولى لعام 2025.
وتؤكد الاجتماعات على مركزية الشراكات الاقتصادية باعتبارها الأساس لتعميق العلاقات الثنائية بين ماليزيا، وهي دولة تجارية، والإمارات العربية المتحدة، التي كانت تقود التنوع الاقتصادي في المنطقة الغنية بالوقود الأحفوري على مدى العقد الماضي.
ومن أبرز ما في هذه الزيارة، توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين ماليزيا والإمارات العربية المتحدة، وهي أول اتفاقية تجارة حرة بين ماليزيا ودولة عضو في مجلس التعاون الخليجي.
إن الاتفاقية تتجاوز بالتأكيد قيمة الورقة التي تم توقيعها عليها، فهي اتفاقية حقيقية تضمن الوصول الفوري المعفي من الرسوم الجمركية لـ 6331 خط تعريفة منتج مع آفاق التوسع، أي توسيع الفوائد لتشمل الصادرات الماليزية الرئيسية مثل زيت النخيل الخام والمواد الكيميائية والبلاستيك والالكترونيات والمجوهرات ومنتجات البترول والسلع القائمة على المطاط والأغذية المصنعة على مدى السنوات السبع المقبلة.
من ناحية أخرى، يمهد الفصل الإسلامي لاتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الطريق أمام اللاعبين في القطاعات الرئيسية مثل التجارة الحلال والتمويل الإسلامي وتنمية رأس المال البشري والاقتصاد الإسلامي الرقمي لتوسيع وتعزيز نطاقهم ومعاملاتهم، مما يعطي دفعة لتدفقات البيانات عبر الحدود والتجارة الإلكترونية والتعاون في البنية التحتية الرقمية والتكنولوجيات الخضراء والتنمية الصناعية.
إن الأمر المهم في هذه النقاط المحورية هو أنها ستولد نموًا أكثر قوة في التجارة الثنائية وتعزز تدفقات الاستثمار، مع إعطاء الأولوية لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى خلق فرص العمل وتوسيع الوصول إلى أسواق الإمارات العربية المتحدة. ومن الجدير بالذكر أن الاتفاقية تعد بوتراجايا أيضًا لمفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين ماليزيا ودول مجلس التعاون الخليجي، والتي من المتوقع أن تبدأ في أوائل عام 2025.
ومن أبرز الأحداث الجديرة بالملاحظة، مذكرة التفاهم التي وقعها وزير الداخلية داتوك سيري سيف الدين ناسوتيون إسماعيل ووزير الاستثمار الإماراتي محمد حسن السويدي، في إطار مبادرة الذكاء الاصطناعي الماليزية. وهي نقطة تحول في رأيي، لأنها تعد بتعزيز التزام البلدين بتسخير التكنولوجيا المتطورة لبناء مجتمعات أكثر أمانًا.
نظرًا لأن الحوسبة وتحليلات البيانات والذكاء الاصطناعي هي كلها تقنيات سريعة التطور للغاية، فسيكون من الحماقة أن تتخلى ماليزيا عن مثل هذه الفرصة الذهبية لاحتضان التعاون الوثيق في هذه القطاعات مع دول شريكة ذات رؤية مثل الإمارات العربية المتحدة.
وعلاوة على ذلك، تتجسد في هذه الشراكة الفلسفة الأساسية المتمثلة في استخدام الذكاء الاصطناعي ليس فقط من أجل تحسين كفاءة الأعمال أو المؤسسات أو حتى تعزيز الإنتاجية، بل وتمكين الدول من تسخير قوتها التحويلية للصالح العام – حماية السلامة العامة في جميع المجالات وضمان المضي قدمًا في التقدم على طول سلسلة القيمة التكنولوجية، من أجل السلام والازدهار المشترك.
ويستند هذا السعي أيضًا إلى الجوانب العملية لتعميق العلاقات الثنائية حيث اتفقت الدولتان على الاستفادة من منصات مثل المنتدى الاقتصادي لرابطة دول جنوب شرق آسيا ومجلس التعاون الخليجي لتوليد المزيد من التعاون بين القطاعين العام والخاص في مجال الذكاء الاصطناعي بهدف الجمع بين اللاعبين الإقليميين في السياسة والصناعة والابتكار لمواجهة التحديات العالمية الهائلة والمعقدة بشكل متزايد في هذه الأوقات ما بعد المعتاد.
إن مشاركة أنور في حوار حول “مستقبل آسيان المترابط: ربط الطاقة والتجارة والازدهار” في أسبوع أبوظبي للاستدامة 2025 ليست سوى دليل واحد على تصميم حكومة مدني ليس فقط على زيادة الرخاء المادي للشعب، ولكن أيضًا على الوصول إلى خط النهاية دون أن يكلفنا ذلك بيئة ومناخًا صالحين للسكن.
ومن الجدير بالتكرار أن الإرادة السياسية على أعلى مستوى، جنبًا إلى جنب مع ضخ الاستثمار في التقنيات الخضراء، شرط أساسي إذا كنا جادين في ضمان نجاح خارطة طريق التحول الوطني للطاقة في ماليزيا والسياسات الأخرى التي صيغت لدفع ماليزيا نحو مستقبل أكثر استدامة.
وتحقيقًًا لهذه الغاية، توج اجتماع رئيس الوزراء مع نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس الوزراء الشيخ محمد راشد آل مكتوم بنجاح باتفاق الزعيمين على تجديد التعاون في مجال الطاقة والأمن الغذائي والتكنولوجيا ومراكز البيانات. وتعكس هذه التطورات رغبة أبوظبي الشديدة في بناء علاقة أعمق مع رابطة دول جنوب شرق آسيا، كما يتضح أيضًا من مكانتها باعتبارها شريك الحوار القطاعي الأول لرابطة دول جنوب شرق آسيا من دول مجلس التعاون الخليجي، فضلاً عن توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية المشتركة بين الإمارات العربية المتحدة وإندونيسيا، والتي دخلت حيز التنفيذ في سبتمبر 2023.
وبعبارة أخرى، تم إعداد المسرح لشراكة دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول جنوب شرق آسيا للتألق في كوكبة متنامية من التعاون المتعدد الأطراف وفي الدبلوماسية الثنائية، والتي تدفعها المصالح الوطنية على الدوام.
ومع ذلك، فإن آلة الدبلوماسية لا تكون جيدة إلا بقدر الأفراد الذين يطحنون عجلاتها، ويغذون الثقة والتفاهم بين الثقافات على مدى سنوات عديدة، ويضمنون أن تعمل الدولة على تحسين نوعية حياة شعبها مع توسيع الرخاء الاقتصادي والاستقرار السياسي إلى مناطق أخرى من خلال الأدوات الثنائية والمتعددة الأطراف.
لا شك أن الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء إلى الإمارات العربية المتحدة تدعم أهداف بوتراجايا كرئيسة لرابطة دول جنوب شرق آسيا في عام 2025 من خلال تسريع التكامل الاقتصادي الإقليمي ووضع ماليزيا كبوابة للشركات الإماراتية التي تدخل رابطة دول جنوب شرق آسيا.
إن الدفء الذي استقبل به أنور من قبل الحكام وصناع السياسات ومديري صناديق الثروة السيادية وقادة الأعمال في الإمارات العربية المتحدة يبشر بالخير للنتيجة المستدامة والمواتية لهذه الاتفاقيات والتعهدات.
وإلى جانب المبادرات القادمة بين رابطة دول جنوب شرق آسيا ومجلس التعاون الخليجي، أرست هذه الزيارة أسسًا قوية لما نأمل أن تكون شراكة طويلة الأمد ومفيدة للطرفين ومثالًا للمنصات بين المناطق.