المصدر: Malay Mail
رغم أن الفكرة بدت مثيرة للجدل في بدايتها، تقدّم حانة مستجدّة “كوكتيلات” خالية من الكحول في العاصمة السعودية الرياض، فاتحة باباً جديداً من مساعي التجديد في المملكة الخليجية المحافظة.
كان الزبائن حذرين من التجربة بداية، لكن آل الأمر بالحانة التي فتحت أبوابها لفترة وجيزة خلال شهر رمضان العام الماضي، إلى تحقيق نشاط تجاري سريع.
ويسلّط نجاحها الضوء على اتساع نطاق الإقبال بجرأة أكبر على المشروبات غير الكحولية، حتى مع بقاء المشروبات الكحولية نفسها محظورة بشكل صارم في المملكة الخليجية. يقول إيفانز كاهندي مدير علامة “بلندد باي لايرز” التجارية للمشروبات غير الكحولية المالكة للحانة الموقتة، “بصراحة، كنا متشككين حيال الأمر، ولكنه نجح في نهاية المطاف”.
وأدخلت المطاعم الراقية في المدن الرئيسية بالسعودية، لائحة واسعة من المشروبات الخالية من الكحول في قوائم أطعمتها، وينتقل السقاة المتمرسون من مدن أكثر تحرراً على غرار دبي وبرلين لخدمة الزبائن الأثرياء في المملكة حيث بدأ يزدهر مبدأ “الموكتيلات” المؤلّفة من خليط من المشروبات بعضها مشابه بالاسم والشكل لمشروبات كحولية لكنها في الواقع خالية من الكحول.
يقول السعوديون إن هذا التوجّه يتماهى مع حملة أوسع نطاقاً يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لتحويل بلاده المعتمدة في مصادر دخلها على النفط، إلى مركز تجاري وسياحي وترفيهي جاذب للأجانب.
ورغم ذلك، فإن سرعة التغييرات مثيرة للدهشة، بحسب ما يقول عبدالله رسلان مدير التسويق لدى “بلندد باي لايرز” التي أقامت مؤخراً شراكة مع “المملكة سوشيال داينينغ” وهي قاعة مطاعم جديدة في “مركز المملكة” للتسوّق بالرياض، لتقديم كوكتيلاتها المميزة بما في ذلك حامض التمر المنكّه و”نو-غروني”، المشروب غير الكحولي الذي سُمّي كذلك نسبة إلى “نوغروني” المشروب الكحولي الإيطالي.
ويردف رسلان المتحدّر من مدينة الخُبر في شرق المملكة “لن أكذب عليك، السعودية دولة دينية إلى حد ما، لكننا نرى كيف أصبحت أكثر قدرة على التكيّف مع ما يحدث في العالم”.
ويضيف “هل واجهنا معارضة كبيرة في الماضي؟ نعم، لقد حدث ذلك. هل ما زلنا بحاجة إلى تثقيف الكثير من الناس حيال هذه المشروبات؟ … نعم علينا القيام بذلك. ولكن خطوة بخطوة، هذا هو كل ما نطلبه”.
تساهل حيال الحظر
أصدر الملك السعودي الراحل عبد العزيز آل سعود حظراً على المشروبات الكحولية في المملكة في أوائل الخمسينات من القرن الماضي، بعد فترة وجيزة من حادثة سكر فيها أحد أبنائه، وقتل غاضباً دبلوماسياً بريطانياً بالرصاص.
وبات الحظر قانون البلاد مذاك الحين، تاركاً معظم سكان المملكة البالغ عددهم 32 مليون نسمة، مع وسائل محدودة لشرب الكحول. فتقدّم البعثات الأجنبية المشروبات في الحي الدبلوماسي بالرياض.
وبعض الناس يصنّع النبيذ محلياً، فيما يلجأ آخرون إلى السوق السوداء، حيث يمكن أن تباع زجاجات الويسكي بمئات الدولارات قبيل الأعياد على غرار ليلة رأس السنة.
وأبعد من ذلك، فإن الخيار الحقيقي الوحيد هو السفر، سواء عن طريق البر إلى البحرين أو أماكن أخرى.
وبموجب القانون السعودي، يمكن أن تشمل عقوبات استهلاك أو حيازة الكحول، فرض غرامات والسجن والجلد العلني والترحيل للأجانب.
وقد أثارت الوتيرة السريعة للإصلاحات الاجتماعية الأخيرة، بما في ذلك إعادة فتح دور السينما والسماح بتنظيم مهرجانات موسيقية مختلطة بين الجنسين، تكهنات واسعة النطاق بأن حظر الكحول قد يُرفع، أو على الأقل يتم التساهل بشأنه مع بروز مرافق سياحية جديدة على غرار مدينة “نيوم” المستقبلية بكلفة تصل إلى 500 مليار دولار.
وأدى النجاح في نيل استضافة معرض “إكسبو 2030” وبطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2034، إلى تغذية تلك الشائعات، رغم تأكيد المسؤولين علناً أن أي تغيير في تلك السياسة أمر غير مقبول.
ابتكار الأشياء مجدداً
هذه أنباء مُبهجة لأسابيك ماشرابوي الذي انتهت تجربته الوحيدة مع الكحول بشكل سيئ، عندما فقد وعيه بعد ارتشاف عبوة واحدة من الجعة.
يقول المواطن الأوزبكي “أقسم لك، من عبوة جعة واحدة، وصُدم جميع أصدقائي، لأنني كنت مثل الميت”.
لكن ذلك لم يمنع الشاب البالغ 24 عاماً والذي انتقل لاحقاً إلى السعودية، من أن يصبح مشرفاً على الحانة في مطعم “ميراكي” ذي الطابع اليوناني في برج الفيصلية بالرياض.
يحظى ماشرابوي بإشادة كبيرة على المشروبات الخالية من الكحول التي يعدّها مثل “ميكونوس ميول” (نسبة إلى اسم المشروب الكحولي +موسكو ميول+)، حتى من الأجانب الذين اعتادوا على الكوكتيلات الكحولية.
يقول بثقة عند سؤاله عن كيفية مقارنة مشروباته مع تلك المشهورة خارج البلاد “يمكنني التنافس معهم”.
وكان ذلك التحدي بالتحديد الذي جذب المسوّق موسى شحادة إلى المملكة، بعدما أكمل دراسة الطهي في ألمانيا وعمل في الحانات والفنادق هناك.
يقرّ شحادة بالتردّد في بادئ الأمر، قائلاً “في البداية كان الأمر مثل +أنت مدير عصائر؟ ما الذي تفعله هنا بالضبط؟+”.
لكن رغم ذلك، يقول إنه استمتع بفرصة تقديم بدائل للمشروبات المحلية المخصصة للاحتفال، مثل “الشمبانيا السعودية” التي هي عبارة عن عصير التفاح مع مياه غازية وبعض الموهيتو (عصير الليمون المحلّى مع النعناع).
ويضيف شحادة “من وجهة نظري، فإن العمل بالمشروبات غير الكحولية أكثر تعقيداً من العمل بتلك الكحولية. عندما تأتي إلى هنا، فإنك تحتاج حقاً إلى ابتكار الأشياء مجدداً”.