المصدر: The Star
عبّر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز أمام الزعماء العرب في مستهل انعقاد القمة العربية في جدة اليوم الجمعة، عن ترحيبه بعودة الرئيس السوري بشار الأسد لحضور اجتماعات جامعة الدول العربية بعد غياب دام أكثر من عقد.
وصرح ولي العهد السعودي في كلمته “يسرنا اليوم حضور الرئيس بشار الأسد لهذه القمة، وصدور قرار جامعة الدول العربية بشأن استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية”.
وتابع “نأمل أن يسهم ذلك في دعم استقرار سوريا، وعودة الأمور إلى طبيعتها، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي، بما يحقق الخير لشعبها، وبما يدعم تطلعنا جميعا نحو مستقبل أفضل لمنطقتنا”.
وقدمت دول عربية عدة أبرزها السعودية، خصوصا في السنوات الأولى للنزاع، دعما للمعارضة السياسية والمسلحة، ودعت إلى ضرورة تغيير النظام في سوريا.
وتسارعت التحولات الدبلوماسية على الساحة العربية إثر إعلان اتفاق بين السعودية وإيران، أحد أبرز حلفاء دمشق، في مارس الماضي على استئناف العلاقات، في خطوة بدت انعكاساتها جلية على المشهد السياسي الإقليمي في منطقة لطالما هزتها نزاعات بالوكالة.
والشهر الماضي، استقبل الأسد في دمشق وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في أول زيارة من هذا النوع منذ اندلاع النزاع في سوريا في 2011 وتجميد عضويتها في جامعة الدول العربية. ولطالما اتهم الإعلام السعودي الرسمي نظام الأسد بارتكاب جرائم.
وقال ولي العهد في كلمته “لن نسمح بأن تتحول منطقتنا إلى ميادين للصراعات، ويكفينا مع طي صفحة الماضي تذكر سنوات مؤلمة من الصراعات عاشتها المنطقة، وعانت منها شعوبها وتعثرت بسببها مسيرة التنمية”.
وبعد وصوله إلى جدة قبل أيام، قال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد “نعبر عن سعادتنا بوجودنا في السعودية، هذه القمة مهمة جدا. نتمنى لهذه القمة كل النجاح”.
كانت قمة سرت في ليبيا في مارس 2010 آخر قمة حضرها الأسد.
تعزيز الإجراءات الأمنية
عززت السلطات السعودية الإجراءات الأمنية في الطرق المؤدية إلى فندق “ريتز كارلتون” الفخم الذي يستضيف القمة مع بدء توافد القادة العرب أمس الخميس.
وتزينت شوارع جدة الرئيسية بأعلام الدول المشاركة ومن بينها العلم السوري، ورحبت لافتات مضيئة في الشوارع بضيوف قمة جدة، التي وصفتها صحيفة “الرياض” في صفحتها الأولى بأنها “قمة القمم”.
و وصل بحلول صباح الجمعة، كل من قادة مصر وسوريا ولبنان والعراق والبحرين وتونس وفلسطين واليمن وليبيا وموريتانيا والصومال وسلطنة عمان.
وسيكون من أبرز الغائبين الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد الذي أعلن أنه سيوفد نائبه منصور بن زايد، وفق ما أفادت وكالة أنباء الإمارات الرسمية “وام” اليوم الجمعة، وكذلك الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
ويذكر أن جهود إعادة الأسد إلى الحاضنة العربية لا تلقى ترحيبا من كل الجهات الإقليمية والدولية.
فقد أعلنت قطر أنها لن تطبع علاقاتها مع حكومة دمشق لكنها أشارت إلى أنها لن تكون “عائقا” أمام الخطوة التي اتخذتها الجامعة العربية. وأعلن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في بيان الخميس أنه سيترأس وفد بلاده إلى القمة العربية.
وإلى ذلك، جددت واشنطن من جهتها الأربعاء التأكيد بأنها “لا تعتقد أن سوريا تستحق إعادتها إلى الجامعة العربية”.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية فيدانت باتيل “لن نعمل على تطبيع العلاقات مع نظام الأسد كما لا ندعم بالتأكيد الآخرين على فعل أيضا”.
وللتذكير، كانت دول عربية أبرزها السعودية، دعمت المعارضة السورية في سنوات النزاع الأولى وطالبت برحيل الأسد من السلطة، قبل أن تعود لتطبيع علاقاتها مع دمشق مؤخرا.
تعزيز موقع السعودية الدبلوماسي
بالإضافة إلى إعادة العلاقات مع دمشق، من المتوقع أن تتصدر جدول أعمال القمة أزمتان رئيسيتان و المتمثلتان في النزاع الجاري منذ شهر في السودان بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو من جهة، والنزاع المستمر في اليمن منذ أكثر من ثماني سنوات من جهة أخرى.
كما تنعقد القمة العربية وسط جهود حثيثة من السعودية لتعزيز موقعها الدبلوماسي في الشرق الأوسط وخارجه، وبعد تطبيع علاقاتها مع إيران بوساطة صينية في مارس الماضي، إثر قطيعة.
و منذ ذلك الحين، استعادت الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا وكثفت جهودها الدبلوماسية للدفع نحو السلام في اليمن حيث تقود تحالفا عسكريا ضد الحوثيين المدعومين من إيران، دعما للحكومة اليمنية.
وقد لعبت الرياض أيضا دورا مركزيا في عمليات إجلاء مدنيين من السودان حين اندلعت المعارك الشهر الماضي، و تستضيف حاليا ممثلين عن طرفي النزاع من أجل التوصل لهدنة.
وإضافة إلى التحديات الكبرى التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط، سيتعيّن على القمة العربية الأخذ في الاعتبار قضايا دولية مثل الحرب في أوكرانيا.
و بحسب ما كتب الأمين العام المساعد للشؤون السياسية الدولية بالجامعة العربية خالد منزلاوي الأربعاء في صحيفة “الشرق الأوسط”، حيث قال “لا بد من التأكيد أنه ستكون هناك حاجة ماسة للتوافق والتضامن بصورة جماعية في هذه المرحلة بالغة الخطورة من تاريخ العالم، التي تشهد إعادةَ رسمِ خرائط العلاقات الدولية”.
يتوافق هذا الطرح مع جهود السعودية الراهنة لتنويع تحالفاتها الدولية، مع توثيق العلاقات مع الصين وتعزيز التنسيق مع روسيا حول السياسات النفطية، مع محاولة الإبقاء على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، شريك المملكة الأمني منذ عقود.
وتقول الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية في القاهرة رابحة سيف علام إن العالم في “لحظة دولية تشهد انسحاب القوى الكبرى من المنطقة وانشغالها بحرب روسيا”، ما تعتبره “قُبلة حياة للجامعة لتقوم بدورها كمحطة تنسيق للجهود الإقليمية لحل النزاعات في المنطقة”.
وفي السياق، حل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الجمعة ضيفا على السعودية لحضور قمة جامعة الدول العربية.
وقد وصل إلى جدة على متن طائرة حكومية فرنسية، التي ستنقله لاحقا إلى قمة قادة مجموعة الدول السبع في مدينة هيروشيما اليابانية.
ومن جهته، يقول توربيورن سولتفيدت من شركة فيرسك مايبلكروفت الاستشارية إن القمة الناجحة ستشمل من وجهة نظر الرياض، التزامات ملموسة من سوريا بشأن قضايا من بينها ملف اللاجئين وتجارة الكبتاغون.
و يُعد تهريب المخدرات أحد أكبر مصادر القلق بالنسبة لدول خليجية وخصوصا السعودية التي باتت سوقا رئيسية لحبوب الكبتاغون المصنعة بشكل رئيسي في سوريا.
لكن، يشير المحلل إلى أن قمم جامعة الدول العربية “اتسمت في كثير من الأحيان بالخلاف الداخلي وعدم الحسم”، مضيفا “بالتالي، فإن معيار النجاح سيكون منخفضا”.