المصدر: The Star
البلد: 🇲🇾 ماليزيا
اليوم: الأربعاء 27 نوفمبر 2024
الكاتب: روينا عبد الرازق – محاضرة في تاريخ الحرب الباردة في جامعة كوين ماري بلندن. تحمل درجة الدكتوراه في الدراسات الشرقية من جامعة أكسفورد.
الرابط: https://tinyurl.com/2r6jhjhs
شهدت الأشهر الأخيرة نشاطًا مكثفًا لرئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، من لقائه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى إعلان ماليزيا كشريك رسمي في كتلة بريكس الاقتصادية، يسعى أنور لتوجيه ماليزيا بعيدًا عن الميل الواضح نحو الغرب.
ورغم أنه من غير المتوقع أن تتخلى ماليزيا تمامًا عن سياستها الخارجية المتوازنة والمحايدة، إلا أن هناك تحولًا قد يؤدي إلى لعب البلاد دورًا أكبر دوليًا، خاصة فيما يتعلق بالصراع في الشرق الأوسط.
منذ 7 أكتوبر، أدت الاعتداءات الإسرائيلية على غزة إلى غضب عالمي واحتجاجات واسعة النطاق، إلى جانب تزايد الدعم لحركة تحرير فلسطين.
دول أوروبية مثل إسبانيا وأيرلندا قادت حركة دولية هامة لفضح المعايير المزدوجة واتخذت مواقف قوية ضد إسرائيل.
حتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تراجع عن دعم فرنسا التقليدي للحكومة الصهيونية وطالب بحظر بيع الأسلحة لإسرائيل.
مع ذلك، لا تزال هناك خيبة أمل وإحباط تجاه بعض الحكومات الغربية، خاصة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا، لدعمها المستمر لإسرائيل.
ورغم تصاعد النزاع إلى لبنان، يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لديه الحرية في فرض الفوضى على المنطقة.
هذا الوضع المحبط دفع دولًا أخرى للتحرك لضمان محاسبة إسرائيل. وكانت جنوب أفريقيا في طليعة هذا التحرك عندما رفعت قضية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، متهمةً إياها بالإبادة الجماعية.
هذا التحرك سلط الضوء على إمكانية لعب دول الجنوب العالمي دورًا محوريًا في الصراع ودعم فلسطين.
كما أصدرت مؤخرًا المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق نتنياهو، مما أثار انقسامًا بين قادة العالم. وبينما أدانت الولايات المتحدة هذه الخطوة، اختارت المملكة المتحدة تنفيذها.
في ظل الإحباط العالمي من المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة لعجزها عن معاقبة إسرائيل، بات من الضروري أن يُظهر نظام العدالة الدولي فعاليته.
عندما دعا أنور لطرد إسرائيل من الأمم المتحدة، كان ذلك مؤشرًا على استعداد ماليزيا للانضمام إلى هذا التحرك المتنامي.
الإحباط الدولي تجاه الغرب أفسح المجال لدول الجنوب العالمي للعب دور أكبر. ماليزيا بدأت تدريجيًا في الانخراط في سياسة الشرق الأوسط.
إضافةً إلى جهود أنور الأخيرة، قدمت ماليزيا التزامًا بإرسال قواتها إلى قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل). ومع أكثر من 800 جندي، تعتبر إحدى أكبر الوحدات التي تعرضت لهجمات إسرائيلية، مؤخرًا في مدينة صيدا اللبنانية.
مع كون قضية فلسطين محورية للعالم الإسلامي، يتولى أنور مهمة صعبة. لكن إلى أي مدى يمكن أن تكون هذه الجهود رغم نواياها الحسنة غير مثمرة؟
عقبة كبيرة أمام جهود أنور هي الخمول والانقسام في العالم العربي تجاه هذا الصراع. في الماضي، قادت بعض الدول جهودًا قوية لمعاقبة إسرائيل، كما حدث في حظر النفط عام 1973.
خلال حرب أكتوبر، دعت السعودية لحظر شامل للنفط على الدول الداعمة لإسرائيل، مما تسبب في أزمة دولية كبيرة.
لكن في الحرب الأخيرة ضد غزة ولبنان، كانت استجابة السعودية ودول عربية أخرى باهتة إلى حد كبير، بسبب تحالفاتها مع الولايات المتحدة والتزامها المستمر بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
أنور أشار مؤخرًا إلى استعداد ماليزيا للعب دور في سد الفجوة بين الدول العربية.
في 11 نوفمبر، التقى أنور برئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي وولي عهد الكويت مشعل الأحمد الجابر الصباح خلال القمة العربية والإسلامية غير العادية في الرياض.
كان هذا اللقاء علامة فارقة تُظهر استعداد ماليزيا للعب دور الوسيط.
علاوةً على ذلك، تتمتع ماليزيا بعلاقات جيدة مع كل من السلطة الفلسطينية وحماس، الجهتين الحاكمتين لفلسطين، مما يمنحها وضعًا دبلوماسيًا فريدًا يمكنها من تسهيل الحوار بين الدول العربية.
عقبة أخرى أمام جهود ماليزيا هي موقف إيران من الصراع. إيران ملتزمة بشدة بقضية فلسطين وتدعم بقوة حماس في غزة وحزب الله في لبنان.
لكن إيران لديها علاقات غير مستقرة مع الغرب، وتُصور ردودها على العدوان الإسرائيلي بشكل سلبي في وسائل الإعلام الغربية.
باستثناء قطر، فإن الدول العربية أيضًا حذرة من إيران، التي تُعتبر قوة إقليمية منافسة تختلف ثقافيًا ودينيًا. من الممكن القول إن إيجاد حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني سيكون صعبًا دون إشراك إيران.
ماليزيا في موقع فريد يسمح لها بالحفاظ على علاقات ودية مع إيران والدول العربية.
أصدرت ماليزيا بيانًا قويًا يدين الضربات العسكرية الإسرائيلية على مدن رئيسية في إيران في أكتوبر، وتعاونت في جهود لتقويض النظام الصهيوني.
يتضمن ذلك نشر كتاب يُبرز الانهيار الداخلي لإسرائيل، وكتبته بالتعاون منظمة المجلس الاستشاري للمنظمات الإسلامية الماليزية والمستشار الثقافي لسفارة إيران في كوالالمبور.
الموقف المشترك ضد إسرائيل يعطي كلا البلدين فائدة سياسية ويظهر التزامهما تجاه فلسطين.
مع ذلك، ستظل الانقسامات بين إيران والعالم العربي وداعمي إسرائيل الغربيين عقبة كبيرة أمام وقف إطلاق النار وحل الصراع في غزة ولبنان.
الجهود الأخيرة تُظهر أن ماليزيا في موقع مميز للعمل كصوت موحد للعالم الإسلامي. تُطلق دعوات قوية للوحدة بين الدول المسلمة، وتلعب دورًا دبلوماسيًا رمزيًا من خلال لقاءاتها مع قادة عرب بارزين.
ماليزيا تزداد ثقةً، فموقفها الحيادي وغير المنحاز يمنحها الحرية للتنقل في السياسة الشرق أوسطية المتوترة والمليئة بالمنافسة.
رسائل أنور القوية للعالم العربي والإسلامي ستجلب لماليزيا مكاسب محلية وعالمية.
الالتزام القوي تجاه فلسطين والدعوة لطرد إسرائيل من الأمم المتحدة يضعان ماليزيا على خطى جنوب أفريقيا للعب دور أكبر في حشد الدول ضمن إطار دولي.