المصدر: Bernama
الرابط: https://www.bernama.com/ar/news.php?id=2146245
تشكل القمة الصينية العربية المزمع عقدها في المملكة العربية السعودية، محطة هامة ضمن سياق عالمي يسعى للخروج من هيمنة القطب الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب، بدأت تتجلى معالمه في أكثر من منطقة.
فالصين الطامحة لتجاوز الولايات المتحدة والتربع على عرش أكبر اقتصاد عالمي في عام 2030، بحاجة إلى شراكة استراتيجية مع الوطن العربي المتموضع في قلب العالم القديم، والمتحكم في أهم طرق ومعابر التجارة العالمية بين الشرق الأقصى وأوروبا.
والأهم من ذلك كله ثراء الدول العربية بموارد الطاقة التي لا غنى للمارد الصيني عنها لتحريك عجلة اقتصاده الضخم، والهيمنة على التجارة العالمية.
بينما تحتاج الدول العربية للاستفادة من التكنولوجيا الصينية واستثماراتها في البنية التحتية، والتخلص من الهيمنة الأمريكية وانحيازها المطلق لإسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
فالمصالح الصينية العربية متشابكة إلى حد التكامل في الكثير من الملفات، خاصة الاقتصادية منها، والتجارة بينهما تضاعفت لنحو عشر مرات في أقل من عقدين.
حيث ارتفع التبادل التجاري بين الطرفين من 36.7 مليار دولار في 2004 عند تدشين منتدى التعاون الصيني العربي إلى 330 مليار دولار في 2021، وفق المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
وهذا الرقم يجعل من الصين الشريك التجاري الأول للدول العربية مجتمعة متفوقة على الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي.
ليس ذلك فقط، فالاستثمارات الصينية في الدول العربية بلغت 213.9 مليار دولار ما بين 2005 و2021، ما يعطي لهذه الشراكة بُعدا اقتصاديا أكثر متانة، يتجاوز الجوانب التجارية التي ميزت العلاقة بين الدول الغربية والمنطقة العربية.
3 قمم في زيارة واحدة
لن تقتصر زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى العاصمة السعودية الرياض على المشاركة في القمة العربية الصينية، بل يسبق ذلك قمتان أخريان، الأولى مع السعودية، والثانية مع دول الخليج، وفق وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان.
ولم يعلن بعد موعد عقد هذه القمم الثلاثة، إلا أن المؤكد أنها في الأيام العشرة الأولى من ديسمبر الجاري، بحسب القنصل الصيني العام في دبي “لي شيوي هانغ”.
حيث تأكد عقد القمة العربية الصينية، في 9 ديسمبر، وفق الدعوات التي وجهتها السعودية لعدد من الزعماء العرب.
بينما لم يرشح بعد موعد القمتين الصينية السعودية، والصينية الخليجية، إلا أن وكالة رويترز نقلت عن ثلاث مصادر، أن الرئيس جين بينغ، سيصل الرياض في 7 ديسمبر.
وتولي الصين للسعودية أهمية خاصة باعتبارها أكبر اقتصاد عربي والمزود الأول لها بالنفط، بينما يحاول ولي العهد رئيس الوزراء محمد بن سلمان، تنويع شراكات بلاده مع القوى الكبرى حتى لا يبقى رهينة للضغوط الأمريكية، وآخرها اتهام واشنطن للرياض بالاصطفاف إلى جانب روسيا بعدما قررت “أوبك+” تخفيض إنتاج النفط بمليوني برميل يوميا.
ويمثل الحصار الاقتصادي الذي تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون فرضه على روسيا والضغط على بقية دول العالم للمشاركة فيه، إنذارا لكل من الصين والسعودية أن الدور قد يأت عليهما، ما يجعل تكثيف التعاون بينهما أمرا ملحا، رغم أن الرياض ليست جاهزة بعد للتخلي عن تحالفها الاستراتيجي مع واشنطن في ظل استمرار التهديد الإيراني وتواصل حربها في اليمن ضد الحوثيين.
خليجيا، تسعى الصين لتقوية علاقتها ببقية دول الخليج الغنية بالنفط والغاز ورؤوس الأموال، والتي تسعى للفوز بعقود بمليارات الدولارات لإنجاز مشاريع عقارية وأخرى متعلقة بالبنية التحتية على غرار ملعب لوسيل القطري الذي شيدته شركة صينية، والذي يحتضن عدة مباريات في كأس العالم.
وليس فقط النفط ما يجذب الصين إلى الخليج، فالغاز المسال الذي تعتبر قطر أكبر مصدريه يثير شهية بكين، حيث وقع الطرفان نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، اتفاقية لتوريد 4 ملايين طن سنويا من الغاز المسال إلى الصين طيلة 27 عاما بداية من 2026.
كما تسعى الصين للفوز بحصة أكبر من سوق الأسلحة في الخليج، فالسعودية والإمارات تخصصان أكبر ميزانيتين للدفاع في الوطن العربي، وتستورد قطر والكويت والبحرين وبدرجة أقل سلطنة عمان أسلحة بمليارات الدولارات.
عربيا، يبلغ عدد السكان في 22 دولة عربية، أكثر من 430 مليون نسمة، وهي سوق كبيرة، تفوق عدد سكان الولايات المتحدة (أكبر شريك تجاري للصين)، لذلك تسعى الصين لغزو الأسواق العربية بمنتجاتها الرخيصة نسبيا، والاستفادة من فرص الاستثمار بها، وتأمين طرق التجارة بها.
حيث تقيم الصين قاعدتها العسكرية الوحيدة بجيبوتي، الواقعة على مدخل مضيق باب المندب، كما تعبر سفنها التجارية عبر البحر الأحمر وقناة السويس، ومعظم الدول العربية تعتبر جزءا من مبادرة “الحزام والطريق” الصينية.
عالم متعدد الأقطاب
لا يمكن لأي دولة مهما بلغت قوتها العسكرية أو الاقتصادية أن تفرض نفسها كقطب عالمي إلا من خلال تحالفاتها الدولية، وهذا ما تدركه الصين جيدا، التي تسعى رفقة روسيا لتشكيل عالم متعدد الأقطاب، لذلك تعتبرها الولايات المتحدة أكبر تهديد لهيمنتها على العالم، رغم خطورة موسكو.
وفي هذا السياق، تسعى لتعزيز تحالفاتها ضمن عدة منظمات دولية مثل “بريكس” و”شنغهاي”، أو تعزيز تعاونها مع تجمعات إقليمية مثل منظمة “آسيان”، والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية.
فالحرب الروسية الأوكرانية أثبتت أهمية هذه التحالفات الدولية، خاصة عند التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي يغيب فيها الفيتو، فرغم ضعف موقف موسكو السياسي والقانوني في هذه الحرب، إلا أن عدة دول صوتت لصالحها أو على الأقل امتنعت عن التصويت بشأن قرار إدانة غزوها للأراضي الأوكرانية.
والعالم العربي بما يمثله من ثقل بشري وموقع استراتيجي وموارد طاقوية ومعدنية، يعتبر ضمن أولويات الصين من حيث التجارة والاستثمار، وأيضا في الجانب السياسي.
إذ يمكن للصين لعب دور في حل القضية الفلسطينية، خاصة وأن مواقفها أكثر اعتدالا من الولايات المتحدة، رغم تعاونها العسكري والتكنولوجي مع إسرائيل، إلا أن ذلك من الممكن أن يمثل عاملا مساعدا في الوساطة بهذا الملف.
فبعد استكمال الرئيس الصيني جين بينغ ترتيب بيته الداخلي، وانتخاب الحزب الشيوعي الحاكم له رئيسا للبلاد لولاية ثالثة، بعد تعديل ميثاق الحزب الذي كان لا يسمح بأكثر من ولايتين، تستعد بكين لمرحلة جديدة في تاريخها.
حيث تسعى الصين لضمان اصطفاف عربي معها في أي صراع مستقبلي مع الولايات المتحدة بشأن تايوان، وأن تغض الدول العربية الطرف عما يجري لمسلمي الإيغور في شينجيانغ (تركستان الشرقية)، مقابل مزيد من الاستثمارات والقروض.